■ قراءة موثقة في دحض سردية النصر وإعادة تشكيل الشرق الأوسط
إعداد: [المحامي علي أبو حبله] – تحليل سياسي خاص
■ منذ الساعات الأولى لوقف التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، انطلقت موجة تصريحات مكثفة من مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين تروّج لرواية انتصار استراتيجي إسرائيلي، وتبشّر بولادة شرق أوسط جديد، تدور رحاه حول محور إسرائيلي–عربي، مع انكفاء الدور الإيراني وتراجع مركزية القضية الفلسطينية.
لكن قراءة متعمقة للوقائع الميدانية والسياسية، بعيدًا عن التضليل الإعلامي والحرب النفسية، تكشف أن هذه السردية لا تستند إلى معطيات حقيقية بقدر ما تعكس محاولة توظيف مخرجات الحرب في سياق تحقيق مكاسب سياسية وإعلامية آنية، داخليًا وخارجيًا.
■ أولاً: حدود القوة… والحرب لم تحسم شيئًا
إسرائيل نجحت، بدعم أمريكي مباشر، في تنفيذ ضربات ضد منشآت نووية إيرانية، لكنها لم تدمر البرنامج النووي، بل أجلته مرحليًا، وهو ما أكده تقييم وكالة الطاقة الذرية، وتقارير استخباراتية أوروبية.
الرد الإيراني، رغم كونه محدودًا ومنضبطًا، كشف قدرة طهران على الوصول إلى العمق الإسرائيلي والمنشآت الحيوية في المنطقة، ما أعاد التأكيد على معادلة الردع المتبادل.
إسرائيل أكثر هشاشة بعد الحرب: . فقد أظهرت التقارير الصادرة عن مراكز دراسات مثل "معهد الأمن القومي الإسرائيلي" (INSS) و"مركز ستراتفور"، تؤكد أن إسرائيل باتت تواجه مخاطر متعددة الجبهات، تمتد من غزة إلى لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وهو ما يقيّد قدرتها على فرض معادلات أحادية الجانب في المنطقة.
وهنا تكمن المعادلة وقف النار لا يعني نهاية الصراع إذ أن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار تم بوساطة دولية مع ضمانات أمريكية وغربية، لكنه لم يعالج جذور الأزمة، بل جمدها مؤقتًا، مع إبقاء كل عناصر التصعيد قائمة.
■ ثانيًا: التطبيع... بين الرغبة والواقع
رغم الحديث المتكرر عن اقتراب دول عربية من الانضمام لاتفاقيات إبراهيم، إلا أن المواقف الرسمية، خصوصًا السعودية، بقيت ثابتة. تصريحات وزير الخارجية السعودي واضحة: "لا تطبيع دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية لعام 2002."
كذلك موقف سلطنة عمان والكويت وقطر ظل رافضًا لأي تطبيع لا يمر عبر البوابة الفلسطينية.
العامل الحاسم: استطلاع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (يونيو 2025) أظهر أن أكثر من 70% من سكان دول الخليج يعارضون التطبيع مع إسرائيل في ظل استمرار الاحتلال والعدوان على الفلسطينيين.
حركة المقاطعة BDS تصاعد تأثيرها مجددًا، مع حملات شعبية قوية ضد التطبيع في المغرب والأردن ودول الخليج.
ووفق كل ذلك البيئة الأمنية بعد الحرب أكثر هشاشة؛ أي تطبيع إضافي دون معالجة جذور الصراع، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، سيكون مهددًا بالانهيار عند أول أزمة إقليمية قادمة.
■ ثالثًا: دحض سردية الهيمنة الإسرائيلية
ووفق سردية الادعاء الأمريكي – الإسرائيلي فإن الحقيقة الموثقة تؤكد أن الحرب أنهت التهديد الإيراني قدرات إيران النووية والصاروخية مستمرة، والبرنامج النووي قابل للاستئناف خلال أشهر.
إسرائيل قوة مهيمنة بلا منازع إسرائيل باتت أكثر انكشافًا لجبهات متعددة؛ التهديد من غزة ولبنان واليمن والعراق لم يتراجع.
شرق أوسط جديد يولد عبر التطبيع معادلات الصراع مستمرة، والتطبيع يواجه جدران الرفض الشعبي، والعقدة الفلسطينية تزداد مركزية.
■ رابعًا: توصيات استراتيجية واقعية
1. إعادة تثبيت مركزية القضية الفلسطينية كمرتكز لأي حلول إقليمية.
2. تحصين الموقف العربي الدبلوماسي لمنع فرض حلول أحادية تتجاوز الحقوق الفلسطينية.
3. تعزيز خطاب الردع السياسي والإعلامي لمواجهة حملات التضليل حول شرق أوسط مزعوم جديد بلا فلسطين.
4. إعادة تعريف مفهوم الأمن الإقليمي على قاعدة إنهاء الاحتلال وليس بناء تحالفات مؤقتة ضد أطراف إقليمية.
5. الاستثمار في الوحدة الشعبية العربية كأداة ضغط حقيقية ضد مشاريع التطبيع المجاني.
ووفق كل ذلك
■ الحرب بين إسرائيل وإيران لم تُنتج شرقًا أوسط جديدًا، ولم تُنهِ التهديدات أو تخلق واقعًا استراتيجيًا مختلفًا.
■ إسرائيل لم تخرج منها قوة مطلقة، بل باتت أكثر انكشافًا وهشاشة أمام تهديدات مركبة ومتعددة المصادر.
■ التطبيع، كما يُروّج له، لا يقوم على أسس صلبة، بل يصطدم بواقع صلب يتمثل في استمرار الاحتلال، ومركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والإقليمي.
■ وتبقى الحقيقة الثابتة: لا تطبيع دون عدالة، ولا شرق أوسط مستقر دون إنهاء الاحتلال، ولا أمن حقيقي يُبنى على أنقاض حقوق الشعوب.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |