جهاد حرب: يتصاعد الحديث عن وجود صفقة شاملة متداولة في الأروقة الضيقة بين البيت الأبيض ورئاسة الحكومة الإسرائيلية. تتضمن ملامحها وقف الحرب في غزة وتوسيع اتفاقات "إبراهام" ووقف الملاحقة القضائية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فيما تشي تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الخميس الفارط إلى محاولة استثمار ما تحقق في الحرب على إيران "الانتصار على إيران فتح فرصة دراماتيكية لتوسعة اتفاقيات السلام، نعمل من أجل ذلك بجد، إلى جانب هزيمة حماس والإفراج عن المخطوفين، هناك فرصة يجب عدم تفويتها". في المقابل يشير تهديد كل من وزير المالية الإسرائيلية بتسلئل شموتريش ووزير الأمن القومي ايتمار بن جفير رداً على إعلان نتنياهو أن الامر يدور عن خطوات أو بإعلان بالتقدم نحو إقامة دولة فلسطينية دون الولوج في وضع إطار زمني للتقدم وحدود الدولة وطبيعتها.
إنّ استثمار التحولات التي جرت بُعَيّدَ الحرب على إيران، بغض النظر عن النصر والهزيمة وحجم الخسائر المتبادلة ومدى تخلي إيران عن البرنامج النووي أو احتمالية الوصول إلى القنبلة النووية، يتطلب من الفلسطينيين فهم محركات إعادة إنتاج منطقة الشرق الأوسط التي يتبناها كل من الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلية القائمة على تغيير جوهري في مبادئ القانون الدولي وقواعد ميثاق الأمم المتحدة تشبه إلى حدٍ بعيد ما تم قبيل أو أثناء ارهاصات الحرب العالمية الثانية؛ والتي تتمثل بـ (1) باستبدال مبدأ فض النزاعات بالطرق السلمية بمبدأ السلام من خلال القوة أي فرض نتائج مسار المفاوضات بالهيمنة أو القوة العسكرية. و(2) التعامل مع الأمر الواقع أيّ شرعنة احتلال أراضي الغير بالقوة العسكرية. و(3) استخدام القوة المسلحة ضد دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة دون إذن مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي. و(4) منح إسرائيل مجالاً حيوياً يمتد إلى أكثر من 1500 كيلومتر من حدودها لديها القدرة حرية الحركة باستخدام الضربات العسكرية الاستباقية لمجرد الاعتقاد أن هذا الكيان أو ذاك يمكن أن يشكل خطراً مستقبلياً دون الحاجة لوجود أدلة أو بيّنات محددة.
ظهر جزء من هذه المحركات كجزء من صفقة القرن عام 2020 باعتراف الولايات المتحدة ضم إسرائيل لحوالي 30% من الضفة الغربية وضمانات أمنية في مجال نظرية الردع المتبناة آنذاك التي تم استبدالها حديثا بنظرية الضربات الاستباقية. إنّ التغييرات التي حدثت في المنطقة على مدار العامين الفارطين بانهيار تحالف قوى الممانعة أو على الأقل تلقيه ضربات موجعة، واستمرار ضعف القوى الفلسطينية الداخلية وحكمها وانقسامها، ناهيك عن حالة الاستعمار الاستيطاني والتغول لقوى المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة. الأمر الذي يشي بأنّ أيّ صفقة محتملة ستكون على الأغلب أسوأ مما جاء في صفقة القرن، وأنّ أيّ تغييرات فيها بالضرورة ستكون على حساب حق الفلسطينيين في الدولة المستقلة وحدودها.
تظهر المؤشرات والعوامل والمتغيرات/ مع وهن أكبر وأوسع في الجبهة الداخلية الفلسطينية، أنّ القضية الفلسطينية تستعيد الأوقات العصيبة التي مرت بها منظمة التحرير الفلسطينية بعد حرب الخليج الثانية والتي أجبرتها على عقد اتفاق أوسلو بالتزاماته وتعقيداته، فيما الموافقة على الصفقة الشاملة من خلال القوة قد يكون لا مفر منه ما لم تحدث تغييرات جيو سياسية متسارعة كالبركان أو زلزال يهز المنطقة بأسرها دون إذن مسبق.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |