أزمة تكدّس الشيقل تكشف هشاشة السياسات المالية الفلسطينية: المواطن يدفع ثمن عجز الحكومة
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
ضمن سلسلة تحليلات سياسية واقتصادية
تشهد البنوك الفلسطينية أزمة متفاقمة تتمثّل في تكدّس كميات ضخمة من العملة الإسرائيلية (الشيقل)، وسط عجز الحكومة والقطاع المصرفي عن التعامل مع هذه الكتلة النقدية نتيجة القيود الإسرائيلية، وغياب الحلول الاستراتيجية الواقعية.
لكن ما يثير القلق ليس فقط التكدّس بحد ذاته، بل طريقة تعامل الحكومة الفلسطينية مع الأزمة، والتي تتّسم بتجاهل مصالح المواطنين، وتبنّي سياسات قاسية تُحمّل الفرد الفلسطيني تبعات العجز المالي والهيكلي، في وقت يعاني فيه من آثار الحرب، وتراجع الدخل، وارتفاع الأسعار، وتآكل قدرته الشرائية.
تكدّس الشيقل: عرض لمأزق اقتصادي أعمق
تشير التقديرات إلى أن مليارات الشيقلات متكدّسة في البنوك الفلسطينية، دون قدرة على تحويلها أو استخدامها بمرونة، بسبب القيود الإسرائيلية على إدخال العملة إلى السوق المصرفية الإسرائيلية. وهو ما يؤدي إلى:
شحّ في العملات الأجنبية (الدولار، اليورو).
تراجع قدرة البنوك على التمويل.
خلل في التوازن النقدي والتجاري.
هذه الأزمة تكشف مدى تبعية النظام المالي الفلسطيني للمنظومة الاقتصادية الإسرائيلية، التي تفرض واقعًا مفروضًا يمنع تشكّل سياسة نقدية مستقلة.
الحكومة تُحمّل المواطن تبعات الأزمة
في مواجهة الأزمة، لم تتجه الحكومة الفلسطينية نحو إصلاحات بنيوية أو المطالبة بكسر القيود الإسرائيلية بفعالية، بل اتبعت نهجًا يعتمد على:
فرض رسوم وضرائب جديدة.
تقليص الدعم الاجتماعي.
خصومات على الرواتب.
رفع أسعار الخدمات (الكهرباء، المياه، وغير ذلك).
وبدلاً من أن تتحمّل الحكومة مسؤولية أزماتها أو تسعى لبلورة حلول عادلة، قامت بـ تحميل المواطن العبء كاملاً، ما زاد من معاناة الطبقات الفقيرة والموظفين وأصحاب الدخل المحدود.
وهذا ما أدى إلى اتساع الفجوة بين الحكومة والمواطن
السياسات الحكومية الأخيرة عمّقت من الفجوة بين السلطة والمواطنين، الذين يرون أن الحكومة باتت تتصرّف كجهة جباية لا كراعٍ اقتصادي واجتماعي.
فالمواطن الفلسطيني، الذي يُفترض أن يكون حجر الأساس في الصمود، بات يشعر بأن الحكومة تتعامل معه كمصدر تمويل وحيد، في ظل غياب العدالة التوزيعية، وغياب الشفافية في إدارة المال العام، وتضاؤل الفرص الاقتصادية.
وفي ظل غياب الرؤية الاقتصادية المستقلة فإن المعضلة الكبرى لا تكمن فقط في تكدّس العملة، بل في غياب رؤية اقتصادية وطنية مستقلة. فالحكومة لم تطوّر سياسات إنتاجية، ولم تسعَ لتحفيز الاقتصاد الحقيقي، بل اعتمدت على سياسة الاستهلاك، والمساعدات، والقروض، وهو ما جعلها رهينة لأزمات متكررة ترتدّ على المواطن بشكل مباشر.
وعليه فإن تكدّس الشيقل في البنوك الفلسطينية ليس مجرد أزمة سيولة، بل هو مؤشر على فشل السياسات المالية والنقدية، وتعبير واضح عن غياب الاستقلال الاقتصادي. والأسوأ من ذلك، أن المواطن الفلسطيني هو الذي يُطلب منه دائمًا أن يتحمّل النتائج، دون حماية أو دعم فعلي، ما يعمّق الفجوة بين الحاكم والمحكوم، ويهدد بمزيد من التآكل في الثقة والاستقرار الاجتماعي.
على الحكومة الفلسطينية أن تعيد حساباتها، وتغلب مصلحة المواطن، وتتوقف عن معالجة أزماتها المالية على حساب صمود شعبها. فالاقتصاد لا يُدار بالجباية، بل بالعدالة والرؤية الوطنية.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |