اعداد وتقرير المحامي علي ابو حبله رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
مقدمة
في أحدث تصريحاته التصعيدية، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إيران إلى "الاستسلام دون شروط"، في لهجة تعكس نهجًا متجددًا من الضغوط القصوى المبني على التفوق العسكري والاقتصادي. هذا الطرح، وإن كان يبدو منسجمًا مع الرؤية الترامبية التي اتسمت بالعقوبات والعزل والتهديد، إلا أنه يتجاهل تعقيدات المشهد الجيوسياسي وقدرة إيران على الصمود والمواجهة. فهل تستسلم طهران فعلًا؟ وإذا لم تفعل، ما التداعيات على الولايات المتحدة وإسرائيل؟
أولًا: منطق ترمب وأسطورة “الاستسلام دون شروط”
ترمب يعتمد في خطابه على فرض الإرادة بالقوة دون الدخول في مفاوضات متوازنة. غير أن هذا المنطق يفتقر إلى الواقعية السياسية، خصوصًا عند التعامل مع دولة كإيران تمتلك:
تاريخًا ثوريًا معاديًا للهيمنة.
شبكة نفوذ إقليمية واسعة في العراق، سوريا، لبنان، اليمن وغزة.
قدرات عسكرية متطورة تشمل برنامجًا نوويًا يتقدم بخطوات حذرة، وصواريخ باليستية طويلة المدى.
دعمًا دوليًا غير غربي، خاصة من الصين وروسيا، في ظل تراجع ثقل الهيمنة الأميركية عالميًا.
إيران لا ترى نفسها طرفًا ضعيفًا في المعادلة، بل جزءًا من محور يفرض توازنًا جديدًا في المنطقة، وهو ما يجعل الاستسلام وفق الشروط الأميركية ضربًا من الخيال السياسي.
ثانيًا: إيران في ميزان الردع والمناورة
على مدى العقود الماضية، أثبتت إيران قدرتها على الصمود والمناورة في وجه الضغوط الأميركية والإسرائيلية، حيث:
فشلت استراتيجية الضغط الأقصى (Maximum Pressure) التي اعتمدها ترمب سابقًا في إضعاف النظام الإيراني أو إسقاطه.
طورت طهران أدوات غير تقليدية للردع عبر أذرعها الإقليمية، بحيث أصبح أي هجوم مباشر عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية يعني اندلاع حرب إقليمية متعددة الجبهات.
استفادت إيران من الفراغات في النظام الدولي، فوسعت شراكاتها مع قوى عالمية لا تتقاطع مع السياسات الأميركية.
وبالتالي، فإن من غير المرجح أن تقبل طهران بـ"الاستسلام" دون مقابل، خصوصًا وهي ترى أن واشنطن تعاني من تراجع في الهيبة والقدرة على الحسم، خصوصًا بعد الانسحابات من أفغانستان والعراق مع تعريض القواعد الأمريكية في المنطقة للخطر
ثالثًا: تداعيات الرفض الإيراني على الولايات المتحدة
1. تصعيد عسكري مُكلف:
أي عمل عسكري أميركي ضد إيران سيقود إلى رد فعل قوي يهدد القواعد الأميركية في العراق وسوريا والخليج، وربما الملاحة في مضيق هرمز. والبحر الأحمر والمحيط الهندي
2. نزيف سياسي داخلي:
الدخول في حرب جديدة برفض شعبي، ويعيد إلى الأذهان تجارب مريرة في العراق وأفغانستان.
3. اختبار قوة الردع الأميركية:
تجاهل إيران للتهديدات الأميركية قد ينعكس على صورة واشنطن عالميًا ويغري خصومها مثل روسيا والصين بكسر المزيد من التوازنات
رابعًا: التداعيات على إسرائيل
1. فتح جبهة الشمال:
أي استهداف لإيران سيقابل برد من حزب الله، الذي ما زال يمتلك ترسانة صاروخية هائلة، قد تفوق قدرة “القبة الحديدية” على التعامل معها رغم محاولات تحييد الحزب ووقف إطلاق النار الهش وضبط الحزب لنفسه رغم اختراق اسرائيل لوقف إطلاق النار
2. تعقيد الحرب في غزة:
فتح أكثر من جبهة سيضعف قدرة الجيش الإسرائيلي على الحسم في غزة، ويزيد من الضغوط الداخلية والدولية عليه.
3. الانعزال السياسي:
شن حرب موسعة على إيران قد يفقد إسرائيل ما تبقى من التعاطف الدولي، خاصة بعد الانتقادات العالمية الشديدة لحربها على القطاع.
والجواب ؟؟؟ بين منطق القوة الذي يطرحه ترمب ومنطق الصمود الذي تتبناه إيران، تقف المنطقة على حافة تصعيد جديد. إيران لن تستسلم، لا بمنطق ترمب ولا بمنطق نتنياهو. وأي محاولة لفرض الإرادة بالقوة قد تُشعل مواجهة واسعة تتخطى إيران وإسرائيل لتشمل كامل الإقليم. لذا، فإن لغة العقل والدبلوماسية المعقدة تبقى الخيار الوحيد لتفادي حرب كبرى قد تعيد تشكيل المنطقة، ولكن بثمن باهظ للجميع.
تحرير ا في ١٧/٦/٢٠٢٥
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |