
بقلم المحامي علي أبو حبله
تحذير اتحاد أصحاب محطات المحروقات والغاز من احتمال إغلاق المحطات لم يكن تهديدًا أو خيارًا تصعيديًا، بل توصيفًا لواقع قسري ناتج عن رفض البنوك استلام أموال بيع المحروقات، رغم أن الشيكات محررة لصالح هيئة البترول الفلسطينية، والالتزامات الضريبية والمالية قائمة وجاهزة. ويؤكد الاتحاد أن أي إغلاق محتمل سيؤدي إلى شلل في قطاعات النقل، والمستشفيات، والمخابز، والزراعة، وسلاسل التوريد، بما يحمله ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة.
وجوهر الأزمة لا يتعلق بنقص الوقود، بل بانهيار الحلقة المالية بين البيع والتحصيل والإيداع المصرفي. فأصحاب المحطات يبيعون سلعة استراتيجية، لكنهم يُحرمون من إيداع عائداتها، ما يضعهم أمام مخاطر قانونية ومالية مباشرة. وفي هذا السياق، يبرز تساؤل مشروع حول دور سلطة النقد الفلسطينية، التي يفترض بها التدخل لضمان استقرار النظام المصرفي، إلا أن غياب حلول تنظيمية مؤقتة أو ضغط فعلي على البنوك ساهم في تعميق الأزمة بدل احتوائها.
ولا يمكن فصل أزمة الوقود عن سياق إخفاق حكومي شامل، يتجلى أيضًا في تعثر قطاعات أساسية أخرى. فعملية التعليم تشهد اضطرابًا ملحوظًا نتيجة الإضراب الجزئي للمعلمين والمعلمات، وما يترتب عليه من إرباك للعملية التعليمية وتهديد لمستقبل الطلبة. وفي القطاع الصحي، يفاقم إضراب الأطباء وتعثر المسيرة الطبية من معاناة المواطنين، في وقت يفترض فيه تعزيز الخدمات لا تقليصها.
هذه الأزمات المتزامنة تأتي في ظل تدهور الوضع الاقتصادي العام، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع القدرة الشرائية، واتساع دائرة الفقر، وتعثر مسار التنمية المستدامة، بما يعكس فشلًا في إدارة المال العام، وغياب رؤية اقتصادية واجتماعية متكاملة قادرة على حماية الفئات الهشة وتعزيز الصمود.
وفي خضم هذه الإخفاقات، تتزايد الإشارات الرسمية إلى قانون الحد من التداول النقدي (قانون الكاش)، باعتباره أداة تنظيمية، غير أن هذا الطرح يثير إشكاليات قانونية وسياسية جوهرية. فهذا القانون يفترض وجود سيادة نقدية، وعملة وطنية، وبنك مركزي مستقل، وتحكمًا بالمعابر والحدود، وهي شروط غير متوفرة في الحالة الفلسطينية. فالاقتصاد الفلسطيني يخضع لاحتلال يتحكم بالجباية والمعابر، ويعتمد على عملات أجنبية تخضع للقرار الإسرائيلي، ويعاني من أزمات متكررة في فائض الشيكل تفرضها سلطات الاحتلال.
أما التوسع في الدفع الإلكتروني، فرغم أهميته النظرية، فإنه يصطدم بواقع اجتماعي واقتصادي هش، يعتمد فيه قطاع واسع من المواطنين على الدخل اليومي النقدي، وتفتقر فيه العديد من المناطق لبنية رقمية مستقرة. وهنا يبرز السؤال الواقعي: هل يُعقل أن يُجبر المواطن على الدفع الإلكتروني لشراء ربطة خبز أو ربطة بقدونس؟ إن تحميل المواطن كلفة التحول الرقمي في ظل غياب الحماية الاجتماعية لا يمثل إصلاحًا، بل نقلًا لعبء الفشل إلى المجتمع.
ولا خلاف على أهمية مكافحة غسل الأموال والتهرب الضريبي، لكن تحويل توصيات صندوق النقد الدولي أو المتطلبات الأوروبية إلى التزامات قسرية دون مواءمتها مع واقع الاحتلال وغياب السيادة، يؤدي عمليًا إلى معاقبة المجتمع بدل معالجة جذور الأزمة.
وأمام هذا المشهد، يبرز سؤال المسؤولية السياسية: لماذا لا يُطرح خيار استقالة الحكومة بجدية في ظل تراكم الإخفاقات، وتعثر التعليم والصحة، وتضخم المديونية، وتراجع الثقة الشعبية؟ فإذا كانت الحكومة عاجزة عن إدارة الأزمات المتعددة وحماية القطاعات الحيوية، فما المبرر السياسي والأخلاقي لاستمرارها؟
إن إنقاذ الوضع يتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا وشفافًا، وتحمل سلطة النقد لمسؤولياتها القانونية، وسياسات واقعية تراعي خصوصية الاقتصاد الفلسطيني تحت الاحتلال، وتضع صمود المواطن وحقوقه في صدارة الأولويات.
المحامي علي أبو حبلة
باحث في القانون الدولي - رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
أخبار فلسطينية
أخبار الاقتصاد
أخبار محلية
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |