
المرسوم الرئاسي الجديد ومخصصات الأسرى: تحول استراتيجي أم تهديد للحقوق؟
المحامي علي أبو حبلة
أصدر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في فبراير 2025 مرسومًا رئاسيًا أحدث تغييرًا جذريًا في آلية صرف مخصصات الأسرى الفلسطينيين، بتحويلها من الصرف المباشر إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا على الصعيدين القانوني والاجتماعي.
ينص المرسوم على إلغاء القوانين واللوائح السابقة التي كانت تنظم صرف مخصصات الأسرى، وتوحيد جميع برامج الحماية الاجتماعية تحت مظلة المؤسسة الجديدة، التي تعمل وفق آليات شفافة وتخضع لرقابة دولية لضمان العدالة والربط بالاعتراف الدولي. الهدف المعلن هو جذب المساعدات الدولية، مواجهة الحصار المالي، ودعم الأسر الفقيرة، بما يشمل الأسرى وأسر الشهداء.
ومع ذلك، أثار المرسوم مخاوف حقيقية لدى العديد من الجهات الحقوقية والأسرى أنفسهم، إذ يخشى أن يؤدي تحويل الحقوق إلى مؤسسة عامة إلى فقدان الضمانات القانونية السابقة، وتقليل الاستمرارية في الدعم المباشر، وهو ما يشكل تهديدًا للحقوق المكفولة بالقانون الأساسي الفلسطيني، الذي يكرس رعاية خاصة للأسرى وأسر الشهداء.
يؤكد القانون الأساسي المعدل عام 2003، في المادة 22، أن الدولة تنظم خدمات التأمين الاجتماعي وتكفل للأسرى وأسر الشهداء والرعاية المالية المستمرة. بالتالي، يطرح المرسوم الجديد سؤالًا جوهريًا حول توازن الحقوق والاحتياجات، بين استمرارية الدعم المباشر للأسرى وتحقيق أهداف اقتصادية واستراتيجية أكبر للسلطة.
من منظور حقوقي، يسلط المرسوم الضوء على مفارقة بين الاستجابة للضغوط الدولية والإسرائيلية وبين الالتزام بالحقوق الأساسية للأسرى. فالتحول من هيئة الأسرى إلى مؤسسة مكافحة الفقر قد يعزز الشفافية المالية وجذب المساعدات، لكنه في الوقت ذاته يقلل من الاستقلالية المباشرة للحقوق المالية للأسرى، ما قد يضعف العقد الاجتماعي الفلسطيني بين القيادة والمواطنين.
على الصعيد القانوني، يمكن النظر إلى المرسوم على أنه تعديل تنظيمي وإداري، لكنه يحمل تبعات استراتيجية كبيرة على صعيد الالتزامات الوطنية والدولية. فقد يفتح الطريق أمام إعادة تقييم الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية وفق معايير مكافحة الفقر والتمكين الاقتصادي، بدلًا من الدعم المباشر للأسرى، ما يفرض مراجعة دقيقة للحقوق والواجبات في المستقبل.
في ضوء ذلك، يتوجب على المؤسسة الوطنية للتمكين الاقتصادي، بالإضافة إلى الرقابة المحلية والدولية، أن تضمن حماية الحقوق المكتسبة للأسرى وأسرهم، مع العمل على توسيع مظلة الدعم لتشمل الأسر الفقيرة والمحتاجة، بما يحقق التوازن بين العدالة الاجتماعية والمتطلبات الاقتصادية والاستراتيجية للسلطة.
إن التحول الذي أعلنه المرسوم يشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرة القيادة الفلسطينية على مواءمة الحماية الاجتماعية مع الاستراتيجية الوطنية، دون المساس بالحقوق الثابتة للأسرى. فالنجاح في تطبيق هذا القانون يعتمد على الشفافية، العدالة، والالتزام الكامل بالقوانين الوطنية والدولية، بما يعزز الثقة بين القيادة والمواطنين، ويصون حقوق الأجيال القادمة.
في نهاية المطاف، يظل السؤال الأساسي قائمًا: هل يُمثل هذا المرسوم خطوة استراتيجية ضرورية لمواجهة الحصار المالي، أم أنه ينطوي على مخاطر حقيقية على حقوق الأسرى؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل منظومة الحماية الاجتماعية في فلسطين ومدى قدرة القيادة على الموازنة بين الاستراتيجية الوطنية وحقوق الإنسان المكفولة.
أخبار فلسطينية
أخبار اسرائيلية
أخبار فلسطينية
أخبار محلية
أخبار اسرائيلية
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |