تلفزيون نابلس
كوكا كولا
نابلس… شرارة الشمال التي ألهبت الانتفاضة الأولى ورسّخت دورها كعاصمة المقاومة الشعبية
12/8/2025 6:37:00 PM

 تحلّ اليوم الذكرى الثامنة والثلاثون لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في مثل هذا اليوم من عام 1987، عقب حادث الدهس المتعمّد الذي نفّذه سائق شاحنة إسرائيلي بحق عدد من العمّال الفلسطينيين في مخيم جباليا بقطاع غزة. شكّل الحادث شرارة أشعلت غضباً شعبياً واسعاً تراكمت أسبابه عبر سنوات طويلة من القمع والاستيطان والظلم، لتتحوّل إلى انتفاضة شعبية شاملة أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة العالم ورسخت مرحلة جديدة من النضال الوطني.

نابلس ودورها المحوري في الانتفاضة الفلسطينية الأولى

لم تكن الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 مجرّد هبّة شعبية عابرة، بل محطة مفصلية في التاريخ الوطني الفلسطيني، وكانت نابلس — المدينة الأكبر في شمال الضفة الغربية — أحد أبرز ساحاتها ومحركاتها. فقد تحولت المدينة وقراها ومخيماتها إلى مركز نابض للفعل الميداني والتنظيمي، دفع العديد إلى وصفها بـ"عاصمة الانتفاضة الأولى".

مدينة تتقدّم الصفوف

مع الأيام الأولى للانتفاضة، برزت نابلس بوصفها واحدة من أكثر المدن التي شهدت مواجهات متواصلة وإضرابات عامة وفعاليات شعبية منسّقة. الحواجز الشعبية، الإغلاقات التجارية الذاتية، والاشتباكات اليومية مع قوات الاحتلال، شكّلت ملامح الحياة اليومية في المدينة.

وتشير شهادات كثيرة إلى أن كثافة المشاركة الشعبية في نابلس — من طلاب المدارس والجامعات، مرورًا بالعمال والتجار، ووصولًا إلى النساء — جعلت منها مركزًا متقدمًا للفعل الجماهيري، وعززت قدرتها على الاستمرار رغم القمع الإسرائيلي الشديد.

المخيمات… بؤر الغليان الأولى

شكّلت مخيمات نابلس، وعلى رأسها مخيم بلاطة ومخيم عسكر، نقاط اشتعال رئيسية. فقد انطلقت منهما مسيرات ضخمة، وإضرابات، وتنظيمات ليلية، وكانت قوات الاحتلال تواجه صعوبة في السيطرة على الحراك بسبب كثافة السكان والتفافهم حول الفصائل الوطنية.

وكانت تلك المخيمات من أكثر المناطق التي دفعت ثمنًا باهظًا، من اقتحامات يومية واعتقالات واسعة وفرض منع التجوّل لفترات طويلة.

الجامعات… العقل الذي غذّى الميدان

لعبت جامعة النجاح الوطنية في نابلس دورًا بارزًا في تغذية الفعل الشعبي بالوعي السياسي والتنظيمي. فقد كانت الحاضنة الطبيعية للقيادات الطلابية التي أطلقت المبادرات الميدانية، وأصدرت البيانات، ونظّمت الإضرابات والمسيرات.

أدى ذلك إلى إغلاق الجامعة مرات عديدة من قبل قوات الاحتلال، ومحاصرة الحرم الجامعي لمنع تحوّله إلى مركز تعبئة شعبية.

قلب الاقتصاد… وعمود الانتفاضة

كمدينة تجارية بارزة، أثّر التزام نابلس بالإضرابات والامتناع عن دفع الضرائب في توجيه ضربات اقتصادية قوية لسلطات الاحتلال.
وقد منح ذلك الانتفاضة بعدًا اقتصاديًا إضافيًا، عزز قدرتها على الضغط، وكانت نابلس محورًا في هذا العصيان المدني، بإغلاق أسواقها الكبيرة وتوقف ورشها وصناعاتها الشعبية.

المرأة النابلسية… حضور لافت في الخطوط الأمامية

لم تغب المرأة النابلسية عن مشهد الانتفاضة، بل لعبت دورًا محوريًا في:

  • لجان الإسناد الشعبي
  • تزويد الشبان بالحجارة والمواد الطبية
  • تنظيم حملات الدعم للأسرى والشهداء
  • التعليم الشعبي خلال إغلاق المدارس

هذا الحضور جعل من انتفاضة نابلس نموذجًا لمشاركة مجتمعية شاملة.

القمع الإسرائيلي… لم يطفئ روح المدينة

واجهت نابلس واحدة من أعنف حملات القمع خلال الانتفاضة:

  • اعتقالات جماعية شبه يومية
  • فرض منع التجوّل لشهور
  • إعدامات ميدانية
  • حصار اقتصادي
  • تكسير عظام وحملات إذلال واسعة

ورغم ذلك، بقيت نابلس ساحة اشتعال دائمة، وتصاعدت منها فعاليات الانتفاضة بدل أن تتراجع.

لماذا نابلس؟

يرجع المراقبون بروز نابلس في الانتفاضة الأولى لعدة أسباب:

1.   كثافتها السكانية وتنوعها (مدينة–مخيم–ريف)

2.   بنيتها التنظيمية القوية والفصائل النشطة

3.   جامعاتها وقطاعها التعليمي المحرّض والمعبّئ

4.   عمق روحها الوطنية الممتدة منذ ثورة 1936

5.   دورها الاقتصادي الذي جعل أي إضراب فيها مؤثرًا على مستوى الضفة كلها

خاتمة

لم تكن نابلس مجرد مدينة شاركت في الانتفاضة الأولى، بل كانت مركزًا محوريًا لصياغة روحها.
من حارات البلدة القديمة إلى مخيمات الشمال وأروقة جامعة النجاح، رسخت المدينة حضورها كأحد أهم رموز المقاومة الشعبية، وقدّمت نموذجًا ملهِمًا في التنظيم المجتمعي والصمود الوطني.

وهكذا، بقي اسم نابلس — حتى اليوم — مرتبطًا بأحد أهم فصول النضال الفلسطيني، وبذاكرة شعبية لا تزال محفورة في وجدان من عاش تلك المرحلة.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة