إعداد وتقرير: المحامي علي أبو حبلة

في الأول من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، يقف العراق والعرب أمام محطة وطنية خالدة تُجسّد مسيرة شعب قاوم الحصار والحرب والاحتلال والإرهاب، وقدم التضحيات من أجل كرامته وسيادته ودوره العربي. يوم الشهيد العراقي ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو قراءة عميقة في تاريخ دولة دفعت أثماناً باهظة دفاعاً عن الأرض والإنسان والهوية.

العراق وفلسطين… دم واحد وقضية مشتركة

لا يمكن قراءة يوم الشهيد العراقي دون استحضار شهداء الجيش العربي العراقي الذين امتزجت دماؤهم بالدم الفلسطيني في جنين ونابلس وطولكرم. وقد أصبحت مقبرة شهداء العراق وتمثالهم في جنين رمزاً لهذا الارتباط التاريخي، وشاهداً على أن العراق كان وما زال جزءًا أصيلًا من معادلة الصراع العربي–الإسرائيلي، ومنحازًا لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير.

شهداء العراق… حروب صنعت الوعي الوطني

محطات التضحية في العراق لم تكن عابرة. شهداؤه سقطوا في ميادين عديدة:

– الدفاع عن الحدود والسيادة

– مقاومة الاحتلال الأمريكي

– مواجهة الإرهاب والتطرف

– المشاركة في الجبهات العربية دفاعًا عن فلسطين وسوريا

وقد شكّلت الحرب العراقية–الإيرانية واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخ المنطقة، وأبرزت حجم التحديات التي واجهها العراق في ظل صراع النفوذ الإقليمي، فيما كان العراقيون يقدمون التضحيات دفاعًا عن دولتهم ووحدتهم.

شهداء ملجأ العامرية… ذاكرة الألم والصمود

من أبرز ما يخلده العراقيون في يوم الشهيد، ضحايا ملجأ العامرية الذين سقطوا خلال حرب الخليج. تلك الحادثة المؤلمة أصبحت رمزًا لمعاناة المدنيين خلال العمليات العسكرية، وأحد أبرز الشواهد على حجم الكلفة الإنسانية التي تحملها العراقيون خلال الحصار والحروب.

لقد حوّل العراقيون الملجأ من مأساة إلى ذاكرة وطنية تُذكّر الأجيال بأن حماية المدنيين يجب أن تكون قيمة عليا في أي صراع، وأن العراق دفع من دماء أبنائه المدنيين أثمانًا لا تزال محفورة في الضمير الجمعي.

الاحتلال الأمريكي… جراح ما زالت مفتوحة

وفي سياق يوم الشهيد، يستذكر العراقيون أيضًا الجرائم والانتهاكات التي رافقت الاحتلال الأمريكي:

– الاعتقالات الواسعة

– تقويض مؤسسات الدولة

– الانتهاكات الموثّقة في السجون، وعلى رأسها سجن أبو غريب

– تدمير البنى المدنية

– وإعادة رسم الخريطة السياسية بقوة السلاح

هذه المرحلة أسهمت في تشكيل وعي عراقي جديد تجاه معنى السيادة، ورسخت فكرة أن الصمود الوطني هو الطريق الوحيد لاستعادة القرار الحر وحماية الدولة من التفكك.

الرئيس الراحل صدام حسين… حدث سياسي في ذاكرة العراقيين

وفي هذا اليوم يستذكر كثير من العراقيين والعرب لحظة إعدام الرئيس الراحل صدام حسين، باعتبارها حدثاً سياسياً شكل منعطفاً خطيراً في تاريخ العراق الحديث.

وبغضّ النظر عن التباينات في تقييم مرحلة حكمه، فإن كثيرين رأوا في عملية الإعدام — وتوقيتها وظروفها — تعبيرًا عن حجم التدخلات الخارجية التي أُريد لها إعادة تشكيل المشهد العراقي بعد عام 2003 بصورة تتجاوز الإرادة الوطنية العراقية.

لقد أصبحت تلك اللحظة جزءًا من قراءة أكبر تتعلق بمستقبل الدولة، ورفض العراقيين للهيمنة الخارجية، وإدراكهم أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة مشاريع التفتيت.

رمزية شقائق النعمان ونصب الشهيد

يرتبط يوم الشهيد برموز وطنية خالدة، أبرزها شقائق النعمان التي أصبحت رمزًا للتضحية، ونصب الشهيد الذي صمّمه الفنان سعاد سليم ليكون معلمًا يخلد وحدة الدم العراقي من الشمال حتى الجنوب.

هذه الرموز ليست مجرد أعمال فنية، بل عناصر أساسية في بناء الوعي الوطني وتعزيز الانتماء.

يوم الشهيد… يوم لكل العراقيين

هذا اليوم ليس ملكًا لشخص أو لحزب أو لطرف سياسي، بل هو يوم وطني جامع لكل من قدم روحه دفاعًا عن العراق وقضايا الأمة، من جنود وضباط ومدنيين، من شهداء الحروب، وشهداء مواجهة الإرهاب، وشهداء الدفاع عن فلسطين والجبهات العربية.

البعد الاستراتيجي للمناسبة

تأتي هذه الذكرى في لحظة سياسية إقليمية معقدة، حيث يواجه العراق تحديات تمسّ:

– هويته الوطنية

– وحدته الجغرافية

– أمنه الداخلي

– استقلال قراره السياسي

– صراعات النفوذ المتداخلة في الإقليم

وفي ظل هذه التحديات، يشكل يوم الشهيد رسالة متجددة بأن العراق دولة محورية في موازين المنطقة، وأن دماء شهدائه كانت ولا تزال صمام أمان ضد مشاريع التفكيك والهيمنة.

ختامًا

في هذا اليوم، يقف العراقيون والعرب إجلالًا لكل من سقط دفاعًا عن الأرض والكرامة والسيادة.

إنهم شهداء العراق… شهداء الأمة… الذين كتبوا بدمائهم صفحات المجد والصمود.

اللهم ارحم شهداء العراق وشهداء الأمة العربية جمعاء، فهم الأكرم منا جميعًا.