
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
شهدت الساحة الفلسطينية مؤخرًا لقاءً استثنائيًا جمع نائب رئيس دولة فلسطين، السيد حسين الشيخ، مع مجموعة من الإعلاميين والأكاديميين والكتّاب، في توقيت سياسي واجتماعي واقتصادي بالغ التعقيد. هذا اللقاء تجاوز إطار التواصل التقليدي، ليعكس محاولة حقيقية لبناء ورشة وطنية مفتوحة، يمكن أن تشكل نواة لرؤية استراتيجية متكاملة، ترتكز على الشفافية والمصارحة في العلاقة بين القيادة الفلسطينية والجسم الإعلامي الوطني.
أولًا: الدلالات السياسية والاستراتيجية للقاء
يحمل اللقاء رسائل سياسية واستراتيجية واضحة، تؤكد أن الإعلام الفلسطيني ليس مجرد ناقل للأخبار، بل شريك أساسي في صناعة الرأي العام وصياغة السياسات الوطنية. ويمكن تلخيص أبرز هذه الدلالات بما يلي:
1. الاعتراف بالدور المحوري للإعلام: القيادة الفلسطينية تعي اليوم أن الإعلام عنصر فاعل في توجيه الرأي العام وصياغة الاستراتيجيات الوطنية، وهو شريك أساسي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
2. فتح آفاق الإصلاح الداخلي: اللقاء يمثل خطوة عملية نحو إتاحة حوار مباشر حول الملفات الحساسة، وإشراك النخب الإعلامية والأكاديمية في تحديد الأولويات الوطنية.
3. إعادة بناء الثقة: الثقة بين القيادة والنخب الإعلامية تأثرت خلال السنوات الماضية، واللقاء يشير إلى رغبة جادة في إعادة هذه الثقة عبر مصارحة جريئة وحوار مستمر.
من هذا المنطلق، يمكن اعتبار اللقاء نقطة تحول استراتيجية من إدارة الملفات في الأروقة الرسمية إلى إشراك المجتمع الإعلامي والنخب الفكرية في رسم ملامح المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل تحديات تتعلق بتآكل الثقة الشعبية وغياب الرقابة الفاعلة على مؤسسات الدول
ثانيًا: القضايا الوطنية الأساسية التي تتطلب اهتمام الإعلام والنخب
هناك ملفات استراتيجية تعكس التحديات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين، والتي يفترض أن تكون محور النقاش خلال اللقاءات الإعلامية والسياسية:
1. أزمة التعليم وتراجع مخرجاته: التعليم لم يعد قطاعًا خدميًا فقط، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في بناء مستقبل المجتمع. ضعف المناهج وانفصالها عن متطلبات سوق العمل، إضافة إلى ضعف البنية التحتية، يشكل تهديدًا لقدرة فلسطين على إنتاج رأس مال بشري مؤهل.
2. القطاع الصحي تحت ضغط مستمر: التحديات الصحية تتجاوز نقص الإمكانات لتشمل ضعف التخطيط الإداري والرقابة، وسط أزمات متصاعدة في الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة الحصار ونقص الإمدادات.
3. الاقتصاد والبطالة وتآكل القدرة الشرائية: القيود الإسرائيلية تؤثر بشكل مباشر على القدرة الاقتصادية الفلسطينية. هنا يظهر دور الإعلام في فضح الاحتكار، توجيه الرأي العام نحو اقتصاد منتج، ودعم سياسات اقتصادية تركز على خلق فرص عمل وحماية الفئات الأكثر هشاشة.
4. الاستيطان ومصادرة الأراضي: التوسع الاستيطاني ليس مجرد مسألة جغرافية، بل جزء من مشروع تفكيك الضفة الغربية، وتحويل الفلسطينيين إلى جزر معزولة. الإعلام شريك استراتيجي في معركة الرواية وفضح الانتهاكات على المستوى الدولي.
5. إصلاح النظام السياسي وتفعيل الرقابة: وجود مجلس تشريعي انتقالي فعال ضرورة وطنية لضمان الرقابة على المؤسسات، ومعالجة الثغرات الإدارية والمالية، وتحضير المجتمع لمرحلة إصلاحية شاملة تعيد الاعتبار للمشروع الوطني ووحدته.
ثالثًا: من الحوار إلى استراتيجية وطنية
لتحويل هذا اللقاء إلى خطوة فعلية على أرض الواقع، يمكن اعتماد أربع ركائز استراتيجية:
1. الإعلام كشريك استراتيجي: تعزيز الشفافية في نشر المعلومات الرسمية، قبول النقد البناء، وتوحيد الخطاب الفلسطيني لمواجهة الرواية الإسرائيلية دوليًا.
2. تأسيس قنوات تواصل مؤسسية: تحويل الحوار الفردي إلى آليات مؤسسية تشمل اجتماعات دورية وغرف نقاش مشتركة مع خبراء السياسة والاقتصاد والأمن، لضمان تدفق المعلومات واستمرارية النقاش حول القضايا الوطنية الكبرى.
3. ترجمة النقاش إلى خطط تنفيذية: تشكيل لجان مشتركة لمتابعة التوصيات، تقييم دوري للتقدم، وتحميل المسؤولية لمنع تكرار الأخطاء السابقة.
4. إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته: تُستعاد الثقة عبر عرض الحقائق بموضوعية، الاعتراف بالخلل، طرح حلول عملية، وإتاحة المشاركة المجتمعية في صنع القرار.
رابعًا: فرصة وطنية يجب استثمارها
لقاء السيد حسين الشيخ مع الإعلاميين يمثل فرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقة بين القيادة والمواطن، والانتقال من إدارة الأزمات إلى رسم ملامح المستقبل بشكل استراتيجي. هذه التجربة يجب أن تتحول إلى منصة للحوار المستمر، والمساءلة، والمكاشفة، وربط القرار بالمواطنين بشكل مباشر.
خاتمة: نحو رؤية وطنية متينة
إن بناء شراكة وطنية جديدة بين القيادة والإعلام ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني وضمان بقاء القضية الفلسطينية في مركز الاهتمام الدولي. لقاء السيد حسين الشيخ يمكن أن يكون نقطة انطلاق حقيقية نحو مشروع إصلاحي شامل، يحقق مصالح الوطن ويستجيب لتطلعات شعبه، ويضع أساسًا لرؤية وطنية استراتيجية متكاملة، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء.
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |