تلفزيون نابلس
كوكا كولا
تفشي الجريمة في الضفة الغربية… خطر داخلي يهدد السلم الأهلي وهيبة القانون
10/31/2025 8:02:00 PM

إعداد: المحامي علي أبو حبلة رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة/تقرير خاص

تشهد مدن ومحافظات الضفة الغربية في الآونة الأخيرة تصاعداً غير مسبوق في معدلات الجريمة والعنف الداخلي، وسط حالة من القلق الشعبي ومطالبة الأجهزة الأمنية والقضائية بضرورة الانتصار للعدالة ومبدأ سيادة القانون وملاحقة كل الخارجين عن القانون والساعين للفوضى والانفلات الأمني والعابثين بأمن وسلامة المجتمع واستقراره الأمني

وتشير التقارير الرسمية والحقوقية إلى أن العامين الأخيرين، 2024 و2025، شهدا تفاقماً في جرائم القتل والسطو والاعتداءات المسلحة والعنف الأسري والجرائم الإلكترونية، ما يضع المجتمع الفلسطيني أمام تحدٍّ داخلي خطير يمسّ أمن المواطن واستقرار المجتمع وهيبة القانون.

ارتفاع مقلق في معدلات الجريمة

ووفق بيانات صادرة عن الشرطة الفلسطينية والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت معدلات الجريمة في الضفة الغربية بنسبة تجاوزت 25% خلال العام 2024 مقارنة بالعام السابق.

وخلال النصف الأول من العام 2025، سُجلت أكثر من 80 جريمة قتل وإطلاق نار، معظمها بدوافع اجتماعية وثأرية، فيما ارتفعت جرائم السطو المسلح والسرقة بنسبة 30%، والجرائم الإلكترونية بنسبة 35%، إلى جانب ازدياد حالات العنف الأسري ضد النساء والأطفال.

كما كشفت الأجهزة الأمنية عن ضبط عشرات الشحنات من الأسلحة والمخدرات المنتشرة في الأسواق غير الشرعية، ما يشير إلى نشاط شبكات منظمة تتاجر بالسلاح وتغذي ظاهرة الانفلات.

أسباب تفشي الظاهرة

الاحتلال الإسرائيلي والفراغ الأمني

تؤكد تقارير محلية ودولية أن الاقتحامات المتكررة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، واستهدافها لمقار ومراكز الأجهزة الأمنية، تسببت في إضعاف قدرة السلطة الفلسطينية على فرض النظام، خصوصاً في محافظات شمال الضفة مثل جنين وطولكرم ونابلس، حيث تنتشر الأسلحة وتضعف السيطرة الرسمية.

الأزمة الاقتصادية والبطالة

تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن معدل البطالة تجاوز 27%، ما انعكس على ارتفاع الجرائم ذات الدافع المالي كالنصب والاحتيال والسرقة. وتُظهر الإحصاءات أن فئة الشباب هي الأكثر تورطاً في هذه الجرائم نتيجة انسداد الأفق الاقتصادي وغياب فرص العمل.

تراجع الثقة بالقضاء وضعف إنفاذ القانون

يلجأ كثير من المواطنين إلى الحلول العشائرية بدلاً من القضاء الرسمي، ما يؤدي إلى ضعف الردع وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب. وتُقدّر المؤسسات الحقوقية أن أكثر من 40% من النزاعات تُسوّى خارج أطر القانون.

العوامل الاجتماعية والثقافية

تراجع دور المؤسسات التربوية والدينية والإعلامية في ترسيخ قيم التسامح واحترام القانون ساهم في انتشار ثقافة العنف، بينما ساعد انتشار السلاح الفردي على تفاقم الظاهرة.

الانقسام السياسي

الانقسام الداخلي انعكس سلباً على الأداء الأمني والقانوني، وأدى إلى غياب التنسيق بين الأجهزة المختصة، ما خلق فجوات في تطبيق القانون وتحصين المجتمع.

تداعيات خطيرة على المجتمع الفلسطيني

تفشي الجريمة والعنف يترك آثاراً مباشرة على النسيج الاجتماعي، ويضعف شعور المواطن بالأمان.

كما يؤدي إلى تآكل الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويمنح الاحتلال ذريعة للتدخل تحت مبرر "استعادة الأمن"، فضلاً عن تشويه صورة السلطة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي.

ويحذر خبراء اجتماعيون من أن استمرار هذه الظواهر قد يهدد السلم الأهلي، ويقوّض أسس النظام القانوني والمؤسسي للدولة الفلسطينية.

دعوات لتطبيق القانون وتعزيز الردع

يطالب حقوقيون ومؤسسات المجتمع المدني بضرورة تطبيق القانون بحزم وعدالة على الجميع دون تمييز، وتعزيز استقلال القضاء وتسريع إجراءات التقاضي.

كما يدعون إلى إطلاق حملة وطنية لجمع السلاح غير المرخص، وتشديد العقوبات على حيازته أو استخدامه، إلى جانب إعادة بناء الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية من خلال الشفافية والمساءلة.

وأكدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في بيان حديث أن “سيادة القانون لا تتحقق إلا عبر مؤسسات قوية تحمي الحقوق وتفرض العدالة”، مشددة على أهمية معالجة الجريمة من جذورها الاجتماعية والاقتصادية، لا بالاكتفاء بالحلول الأمنية.

خاتمة

إن تفشي الجريمة في الضفة الغربية لا يُعدّ مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل أزمة وطنية تمسّ الأمن والاستقرار والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني.

ومع تزايد مظاهر الفوضى وضعف الردع، تبرز الحاجة إلى خطة وطنية شاملة تُعيد الاعتبار لمبدأ سيادة القانون، وتعزز هيبة الدولة ومؤسساتها، وتؤسس لمرحلة من الأمن والعدالة المجتمعية.

فلا أمن بلا قانون، ولا قانون بلا عدالة، ولا عدالة بلا إرادة وطنية تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة