المحامي علي أبو حبلة: أعلنت آلية التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة أن غزة دخلت رسمياً مرحلة المجاعة بعد أن تحققت المعايير الفنية لذلك، حيث وصلت نسبة الجوع الكارثي إلى عشرين بالمئة من الأسر، وتجاوزت نسبة الأطفال المصابين بسوء تغذية حاد ثلاثين بالمئة، فيما يسجل معدل وفيات يومي يصل إلى شخصين من كل عشرة آلاف نتيجة الجوع. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف مليون إنسان مهددون بالموت البطيء وأن العدد مرشح للارتفاع في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع وصول المساعدات.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف الوضع بأنه كارثة من صنع الإنسان وفشل أخلاقي للبشرية جمعاء، مؤكداً أن استخدام التجويع كسلاح حرب يمكن أن يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني. هذا التوصيف يتقاطع مع نصوص المادة الثامنة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تُجرّم تجويع المدنيين كأسلوب حرب، ومع اتفاقيات جنيف الرابعة التي تلزم القوة القائمة بالاحتلال بضمان إمداد السكان المدنيين بالغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية. ومع إعلان المجاعة لم يعد الوضع في غزة مجرد مأساة إنسانية، بل جريمة مكتملة الأركان تستوجب المساءلة والعقاب.
محكمة العدل الدولية كانت قد أصدرت أوامر احترازية في قضايا سابقة طالبت فيها باتخاذ تدابير عاجلة لمنع المساس بحقوق الفلسطينيين، وهذه الأوامر تضع على عاتق إسرائيل التزاماً واضحاً بوقف الممارسات التي تهدد حياة السكان. اليوم، مع تحقق المجاعة، يصبح التمادي في منع المساعدات تحدياً مباشراً للمحكمة ولمنظومة القانون الدولي بأسرها. كذلك فإن فتح ملف التجويع أمام المحكمة الجنائية الدولية يفرض نفسه بقوة، حيث أن العناصر المادية والمعنوية للجريمة قد تحققت بتوثيق رسمي من أجهزة الأمم المتحدة.
ما يزيد من خطورة المشهد أن إسرائيل ترفض الاعتراف بالتقارير الأممية وتدّعي أن شاحنات المساعدات تتدفق للقطاع، بينما تؤكد وكالات الإغاثة أن هذه الشحنات لا تصل فعلياً إلى المدنيين بسبب القيود الأمنية والحصار المفروض منذ أكثر من 18 عاماً وتفاقم خلال الحرب المستمرة منذ 22 شهراً. هذا التضليل يهدف إلى التنصل من المسؤولية الدولية، لكنه لن يصمد أمام الأدلة الدامغة المتمثلة في تقارير المنظمات الدولية والمشاهد اليومية لضحايا الجوع والمرض.
إن إعلان المجاعة في غزة يفرض على المجتمع الدولي واجب التحرك الفوري لا الاكتفاء ببيانات القلق. المطلوب إجراءات ملزمة تبدأ بفتح ممرات إنسانية تحت إشراف الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتفعيل قرارات مجلس الأمن وفق الفصل السابع لفرض دخول المساعدات دون قيد أو شرط، وإنشاء آلية دولية مستقلة تشرف على التوزيع لضمان وصول الغذاء والدواء للمحتاجين. كما أن على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي أن تضغط باتجاه فتح تحقيق عاجل في جريمة التجويع باعتبارها جريمة حرب لا تسقط بالتقادم، وعلى الدول العربية والإسلامية أن تستخدم ثقلها السياسي والدبلوماسي لإعادة القضية إلى صدارة الأجندة الدولية وربط أي تعاون أو تمويل مع إسرائيل بإنهاء الحصار فوراً.
غزة اليوم ليست مجرد قضية فلسطينية بل اختبار لمصداقية القانون الدولي وكرامة الإنسانية. فإما أن يتحرك العالم لوقف المجاعة وإنقاذ الأطفال والنساء والشيوخ من الموت المحقق، أو يبقى متواطئاً بالصمت، ليُسجَّل في التاريخ أنه شاهد على جريمة إبادة بطيئة ارتُكبت على مرأى ومسمع من الجميع. إن الواجب القانوني والإنساني يحتم رفع الحصار فوراً وضمان تدفق المساعدات، وإلا فإن المسؤولية ستظل تطارد إسرائيل ومن يساندها أمام محكمة التاريخ قبل المحاكم الدولية.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |