تلفزيون نابلس
كوكا كولا
الحصار المالي: سلاح إسرائيل لتفكيك السلطة الفلسطينية واستكمال مشروع الحصار والتجويع
7/20/2025 10:21:00 PM

  بقلم المحامي علي أبو حبلة

تُمعن إسرائيل في توظيف كل أدوات الضغط الممكنة لإخضاع الشعب الفلسطيني وكسر إرادته الوطنية، بدءًا من سياسة العقوبات المالية وصولًا إلى الحصار الميداني والسياسي. إن الحصار المالي المفروض على السلطة الفلسطينية ليس قرارًا اقتصاديًا تقنيًا كما تروج له حكومة الاحتلال، بل يمثل أداة استراتيجية ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف ضرب مرتكزات الصمود الفلسطيني، وتفكيك السلطة ككيان سياسي وإداري قادر على تسيير شؤون الناس وحماية المشروع الوطني.

لقد أقدمت إسرائيل على احتجاز أموال المقاصة الفلسطينية، وفرض شروط وإملاءات تعجيزية، بهدف تجفيف الموارد المالية للسلطة الفلسطينية، ودفعها نحو العجز عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها وقطاعات الخدمات الأساسية. هذا الوضع خلق أزمة اقتصادية خانقة أضعفت الثقة الشعبية بمؤسسات السلطة، ووسّعت الهوة بين القيادة والمجتمع، في الوقت ذاته الذي تسعى فيه إسرائيل لفرض حلول أحادية الجانب تحت عناوين “السلام الاقتصادي” بديلاً عن الحقوق الوطنية المشروعة.

استراتيجية الحصار: من غزة إلى الضفة

تتشابه هذه السياسة مع ما يتعرض له قطاع غزة منذ أكثر من  عامًا من حصار خانق استخدم كأداة لتجويع السكان، وابتزازهم سياسيًا، ومحاولة ضرب المقاومة الفلسطينية من الداخل. إسرائيل بذلك تدمج بين الحصارين: المالي في الضفة الغربية، والميداني في غزة، لصياغة واقع فلسطيني جديد يقوم على تفتيت الجغرافيا، وضرب النسيج الاجتماعي، وتفكيك المؤسسات الوطنية، بما يخدم مشروعها الاستيطاني التوسعي.

إن ما يجري اليوم يعكس استراتيجية إسرائيلية متكاملة تقوم على:

إضعاف السلطة الفلسطينية لتحويلها إلى كيان إداري هش وظيفته تسيير شؤون حياتية محدودة تحت مظلة الاحتلال.

تكريس الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة، واستغلاله كأداة لإدامة السيطرة.

فرض الوقائع على الأرض عبر التوسع الاستيطاني وسياسة التهجير القسري، ومن ثم محاولة فرض حلول اقتصادية بديلاً عن الحلول السياسية العادلة.

نحو خطة إنقاذ وطني لمواجهة الحصار

إن مواجهة هذه المخاطر الوجودية تستدعي وقفة فلسطينية جادة ومسؤولة، تنطلق من إعادة بناء الوحدة الوطنية كمدخل أساسي لمواجهة التحديات. القوى والفصائل الفلسطينية مطالبة اليوم بوضع “خطة إنقاذ وطني” ترتكز على:

-         توحيد الصفوف، وإنهاء الانقسام الداخلي الذي شكّل ثغرة استراتيجية استغلها الاحتلال لتعميق سياساته.

-         إصلاح المنظومة المالية والإدارية للسلطة، وتفعيل سياسات الاعتماد على الذات لتقليل التبعية المالية للاحتلال.

-         دعم صمود المواطنين من خلال تعزيز الاقتصاد المحلي، وحماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تشكل العمود الفقري للمجتمع الفلسطيني.

-         تفعيل المقاومة الشعبية بكل أشكالها، بما ينسجم مع القانون الدولي، لمواجهة سياسات الاحتلال والحصار والتجويع.

إن إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة وجودية تفرضها طبيعة المرحلة وخطورتها. فسياسة الحصار الإسرائيلي لا تستهدف السلطة فحسب، بل تستهدف تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية برمتها، وهو ما يتطلب تحركًا عاجلًا قبل فوات الأوان.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة