تلفزيون نابلس
كوكا كولا
تعليمات صندوق النقد الدولي للسلطة الفلسطينية: قراءة قانونية واقتصادية في سياق غياب السيادة واستدامة الاحتلال
6/30/2025 7:50:00 PM

إعداد وتقرير المحامي علي أبو حبله

دراسة قانونية تحليلية عن علاقة السلطة الفلسطينية مع صندوق النقد الدولي علاقة تشوبها تعقيدات قانونية وتتطلب مراجعه وإعادة تقيم

المقدمة

يشكل التدخل المالي والتقني لصندوق النقد الدولي في الأراضي الفلسطينية حالة فريدة في القانون الدولي، إذ يتعامل الصندوق مع السلطة الفلسطينية ككيان أقرب إلى الدولة، رغم أنها لا تتمتع بالسيادة الكاملة بموجب القانون الدولي، بل تعمل تحت قيود الاحتلال العسكري الإسرائيلي وضمن إطار اتفاقيات مرحلية (اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي).

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل طبيعة تدخل صندوق النقد الدولي في الأراضي الفلسطينية، وبيان الأبعاد القانونية والسياسية والاقتصادية لهذا التدخل، ومدى انسجامه مع مبادئ القانون الدولي، لا سيما مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، واتفاقيات جنيف الرابعة، والقانون الدولي للاحتلال.

أولًا: الإطار القانوني للسلطة الفلسطينية

1.1 الوضع القانوني للسلطة الفلسطينية

اتفاقية أوسلو (1993) حددت السلطة الفلسطينية ككيان إداري يتمتع بصلاحيات محددة زمنياً ومكانياً، دون أن يرقى إلى مستوى الدولة ذات السيادة.

المادة (IX) من إعلان المبادئ (أوسلو) تنص على أن ولايتها انتقالية لمدة خمس سنوات، دون مساس بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية.

1.2 غياب مظاهر السيادة

السلطة لا تتحكم:

بالمجال الجوي أو البحري.

بالمعابر والحدود.

بالموارد الطبيعية.

بالعملة الوطنية (تخضع لاستخدام الشيكل الإسرائيلي والدولار والدينار).

اتفاقية بروتوكول باريس الاقتصادي (1994) أخضعت الاقتصاد الفلسطيني لمنظومة الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال نظام الجمارك الموحدة والاعتماد على تحويلات المقاصة.

1.3 القانون الدولي وتوصيف الاحتلال

الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية، غزة، القدس الشرقية) وفقًا للقانون الدولي تُعتبر أراضٍ محتلة بموجب:

اتفاقية لاهاي (1907) المادة (42).

اتفاقية جنيف الرابعة (1949) المواد (47-78).

رأي محكمة العدل الدولية (2004) بشأن الجدار العازل، الذي أكد على أن الأراضي الفلسطينية محتلة وأن إسرائيل قوة محتلة وكذلك القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية الأخير

ثانيًا: تدخل صندوق النقد الدولي في الأراضي الفلسطينية

2.1 الإطار القانوني لعلاقة الصندوق بالسلطة

لا يوجد سند قانوني صريح يساوي السلطة الفلسطينية بدولة عضو كامل العضوية في صندوق النقد الدولي.

تعامل الصندوق مع الأراضي الفلسطينية يتم وفقًا لصفة "اقتصاد مراقَب" أو "مناطق ذات حكم ذاتي"، في إطار برامج الدعم الفني والاستشارات الاقتصادية.

2.2 طبيعة تدخلات الصندوق

برامج إصلاح مالي وهيكلي تشمل:

خفض العجز المالي.

إعادة هيكلة القطاع العام (تخفيض الرواتب والتوظيف).

إصلاح قطاع الكهرباء والمياه من خلال الخصخصة أو رفع الرسوم.

تعزيز الجباية الضريبية عبر فرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة.

تقديم تقارير دورية عن الوضع المالي والاقتصادي للسلطة، وتقديم توصيات تندرج ضمن أدوات "الحوكمة الاقتصادية الرشيدة" وفق معايير صندوق النقد

ثالثًا: إشكالية المعايير الدولية في سياق الاحتلال

3.1 معايير صندوق النقد مقابل الواقع القانوني

تُطبق معايير صندوق النقد كما لو أن السلطة تمتلك:

سيطرة على الموارد.

حرية حركة السلع والأفراد.

استقلالية في السياسات النقدية والمالية

بينما في الواقع:

إسرائيل تتحكم في الحدود والمعابر (المعابر البرية والبحرية والجوية).

أكثر من 60% من أراضي الضفة تقع في المنطقة (C) تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية الكاملة.

السلطة لا تملك السيطرة على الجمارك أو التجارة الخارجية بشكل مستقل.

3.2 القانون الدولي للاحتلال وأدوار القوة القائمة بالاحتلال

اتفاقية جنيف الرابعة (1949) المادة (55) تلزم قوة الاحتلال بضمان توفير الغذاء والدواء للسكان الواقعين تحت الاحتلال.

المادة (60) تحظر تحميل السكان الواقعين تحت الاحتلال أي أعباء مالية إضافية لا تخدم مصالحهم بشكل مباشر.

تطبيق شروط تقشفية على مجتمع واقع تحت الاحتلال، دون قدرة على تطوير اقتصاده بحرية، يناقض التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال.

رابعًا: الأبعاد القانونية والسياسية لتدخل الصندوق

4.1 انتهاك مبدأ تقرير المصير

ميثاق الأمم المتحدة، المادة (1)، الفقرة (2): تأكيد على احترام مبدأ تقرير المصير للشعوب.

إعلان الجمعية العامة 1514 (1960) بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة.

تدخل الصندوق بمعايير لا تراعي وضع الاحتلال يقوض عمليا الحق في تقرير المصير الاقتصادي والسياسي للشعب الفلسطيني.

4.2 ازدواجية المعايير الدولية

تعامل صندوق النقد مع السلطة الفلسطينية كدولة فيما يخص التزامات الإصلاح المالي.

تجاهل حقيقة أنها ليست دولة ذات سيادة في التزامات التنمية، خاصة في:

السيطرة على المعابر.

الموارد الطبيعية.

حرية الحركة الاقتصادية.

4.3 تواطؤ غير مباشر في إدارة الاحتلال

عندما يفرض الصندوق إصلاحات تقشفية دون معالجة القيود الاحتلالية، فإنه:

يعزز دور السلطة كجهة جباية على شعبها.

يخفف الضغط عن القوة القائمة بالاحتلال للوفاء بالتزاماتها القانونية.

يخلق اقتصادًا مرتهنًا ومستنزفًا دون أفق للتحرر والتنمية المستقلة.

خامسًا: تقييم نقدي واستنتاجات قانونية

5.1 أزمة بنيوية في العلاقة مع صندوق النقد

لا يمكن لمعايير صندوق النقد أن تنتج اقتصادًا قادرًا على الاستقلال أو التنمية المستدامة تحت الاحتلال.

التركيز على ضبط العجز المالي والجباية الضريبية دون معالجة الاحتلال الاقتصادي يؤدي إلى مزيد من هشاشة الاقتصاد الفلسطيني.

5.2 إطار قانوني بديل مقترح

وجوب المطالبة بتطبيق كامل لاتفاقية جنيف الرابعة، بحيث تتحمل إسرائيل بصفتها قوة محتلة المسؤولية الاقتصادية والمالية عن رفاه السكان المدنيين.

ضرورة إدراج الاحتلال الاقتصادي الإسرائيلي كملف في:

محكمة العدل الدولية.

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

منظمة التجارة العالمية.

5.3 توصيات أكاديمية وسياسية

على الأكاديميين والباحثين القانونيين تطوير دراسات نقدية تبرز الطبيعة غير القانونية لتطبيق برامج صندوق النقد في سياق الاحتلال.

على القيادة الفلسطينية الربط بين أي برامج إصلاح مالي وبين المطالبة الدولية بفك القيود الاحتلالية كشرط مسبق.

توجيه الجهود القانونية نحو اعتبار الاحتلال الاقتصادي شكلًا من أشكال الاستعمار الجديد الذي يتنافى مع مبادئ القانون الدولي المعاصر.

ونختم حيث يؤكد هذا التحليل أن تعامل صندوق النقد الدولي مع السلطة الفلسطينية ككيان مالي مستقل يتجاهل الإطار القانوني للاحتلال، ويعيد إنتاج علاقة استعمارية اقتصادية مقنّعة تحت مسميات "بناء المؤسسات" و"الإصلاح المالي". ما لم يُعاد ضبط العلاقة مع المنظومة المالية الدولية على أساس القانون الدولي الإنساني وقانون الاحتلال، فإن مشاريع التنمية ستبقى رهينة لوهم الدولة تحت الاحتلال، وستظل السلطة الفلسطينية جهازًا إدارياً يدير الأزمات لا أكثر.

مراجع رئيسية:

1. اتفاقية جنيف الرابعة (1949).

2. اتفاقية لاهاي (1907).

3. اتفاقية أوسلو وإعلان المبادئ (1993).

4. بروتوكول باريس الاقتصادي (1994).

5. رأي محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل (2004).

6. ميثاق الأمم المتحدة.

7. إعلان الجمعية العامة 1514 (1960) بشأن منح الاستقلال.

8. تقارير صندوق النقد الدولي بشأن الأراضي الفلسطينية (1995-2024).

9. دراسات الأمم المتحدة بشأن تأثير الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة