تلفزيون نابلس
كوكا كولا
ضربة قاعدة العديد: بين كسر قواعد الاشتباك وإعادة رسم معادلة الردع
6/23/2025 10:49:00 PM

بقلم: المحامي علي أبو حبلة

سلسلة تحليلات سياسية

في تطور غير مسبوق، تعرّضت قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر لهجوم مباشر، في حدث يضع الشرق الأوسط على عتبة تحولات استراتيجية عميقة. فاستهداف واحدة من أهم القواعد الأمريكية خارج الأراضي الأمريكية لا يمكن قراءته إلا في سياق توسّع رقعة الاشتباك وتبدّل قواعد اللعبة بين محور إيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.

الضربة وقيمتها الاستراتيجية

قاعدة العديد ليست مجرد منشأة عسكرية، بل تمثل العمود الفقري للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في الشرق الأوسط، وتُدار منها العمليات في العراق وسوريا واليمن وحتى الخليج. ضربها يعني أن خطوط الإمداد، والمراقبة، والقيادة أصبحت عرضة للاختراق، وهو تطور يصعب على واشنطن تجاهله أو التعامل معه كحدث عرضي.

ورغم أن طبيعة الهجوم – حتى الآن – تبدو منضبطة تكتيكيًا دون أن تُحدث خسائر بشرية كبيرة، إلا أن رمزيتها السياسية والعسكرية تتجاوز حجم الأضرار المباشرة. هي رسالة بأن "كل المواقع مستهدفة"، وأن الجغرافيا الخليجية لم تعد محصّنة من نار الحرب، وهو ما لم يكن مألوفًا منذ غزو العراق عام 2003.

هل نحن أمام تحول في قواعد الاشتباك؟

طوال سنوات ما بعد الاتفاق النووي عام 2015، وحتى اغتيال قاسم سليماني عام 2020، حافظت إيران ومحورها على مستوى معين من ضبط النفس، مكتفين بالرد في الساحات الهشة مثل العراق وسوريا واليمن. لكن ضربة العديد تنقل المعركة إلى مربّع جديد يتخطى الساحات التقليدية:

1. كسر التحصين الأمريكي في الخليج، لأول مرة منذ عقود.

2. إحراج الدول المضيفة للقواعد، ووضعها في زاوية الحرج السياسي والأمني.

3. تهديد الوجود الأمريكي نفسه عبر إشارات مباشرة إلى قابلية التوسع نحو قواعد أخرى (كالبحرين والإمارات والكويت).

أمريكا بين حسابات الرد وضبط التصعيد

الرد الأمريكي لا يبدو آنيًا ولا مباشراً حتى اللحظة، وهو ما يعكس تردّدًا أمريكيًا مبررًا في توسيع الحرب:

واشنطن تدرك أن فتح جبهة الخليج سيؤدي إلى توريط الحلفاء في مواجهة مفتوحة قد لا تكون مستعدة لها سياسيًا أو عسكريًا.

في المقابل، لن تترك الاستهداف يمر دون رد، ولو على شكل ضربات محسوبة ضد مواقع لفصائل موالية لإيران في العراق أو سوريا، بهدف الحفاظ على هيبة الردع.

الرد الأمريكي – إن حصل – سيحاول إعادة ضبط ميزان الردع دون الانزلاق نحو مواجهة شاملة، لكن هذا المسار محفوف بالمخاطر، خصوصًا إذا ما استمرت الهجمات.

رسائل إيران ومحورها: من التكتيك إلى السياسة

من خلال هذه الضربة، يُمكن تفكيك نوايا محور إيران على عدة مستويات:

1. إيصال رسالة ردع مباشرة: أن قواعد الاشتباك القديمة قد انتهت، وأن أي تصعيد ضد إيران أو حلفائها سيكون مكلفًا.

2. تحريك الجغرافيا السياسية: عبر الضغط على دول الخليج لمراجعة علاقاتها الأمنية مع واشنطن.

3. فتح نافذة تفاوضية عبر النار: أي استخدام الضغط العسكري المحدود لتهيئة الأرضية لتفاهمات جديدة، سواء بشأن غزة، أو النووي الإيراني، أو الوجود الأمريكي في الإقليم

هل تدفع الضربة نحو تسوية أم نحو تصعيد؟

في ميزان القوى الحالي، تبدو الضربة أقرب إلى ورقة تفاوض بالقوة منها إلى إعلان حرب شاملة. فمحور المقاومة – وعلى رأسه إيران – لا يبدو راغبًا في حرب مفتوحة مع واشنطن، لكنه يسعى لتثبيت خطوط ردع جديدة تمنع استمرار التفوق الإسرائيلي – الأمريكي دون تكلفة.

مع ذلك، فإن خطر الانزلاق قائم، خصوصًا إذا فُهمت الضربة الأمريكية الانتقامية المقبلة على أنها استهداف مباشر لإيران، أو إذا امتد التصعيد إلى قواعد أخرى في الخليج.

ووفق ذلك فإن ضرب قاعدة العديد يمكن القول إنه لحظة مفصلية في الحرب الإقليمية

ضرب قاعدة العديد ليس مجرد تصعيد عابر، بل هو منعطف استراتيجي في مسار المواجهة. هو اختبار لمعادلات الردع الأمريكية في المنطقة، وتحذير صريح من أن الاستقرار الخليجي لم يعد مضمونا في ظل الحروب المفتوحة.

في المقابل، فإن الرد الأمريكي سيكون حاسمًا في رسم ملامح المرحلة المقبلة: إما تثبيت لقواعد جديدة للاشتباك أو الانزلاق نحو توسيع ساحات النار الإقليمية.

وفي الحالتين، دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة، لا عودة فيها إلى ما قبل "ضربة العديد".

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة