تلفزيون نابلس
كوكا كولا
الذكاء الاصطناعي في 2026: عام الفرز الحاسم بين الربحية والهيمنة التقنية
12/28/2025 11:21:00 PM

 تدخل التكنولوجيا العالمية مرحلة مفصلية تتجاوز حدود الابتكار التقني، لتعيد رسم ملامح الاقتصاد الدولي وموازين القوة الجيو-اقتصادية، مع تحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة مساندة أو موجة عابرة إلى قطاع استراتيجي قائم بذاته، تتقاطع فيه المصالح المالية والسياسية والأمنية.

وخلال عام 2025، تكرّس هذا التحول بشكل واضح، إذ خرج الذكاء الاصطناعي من نطاق التجريب إلى قلب البنية الإنتاجية للشركات والدول، ليصبح عنصرًا حاسمًا في اتخاذ القرار، وإعادة صياغة نماذج الأعمال، وتحديد اتجاهات الاستثمار طويل الأجل. ومع اقتراب عام 2026، تتجه الأنظار إلى مرحلة أكثر حساسية، عنوانها الأساسي: من يملك القدرة على تحويل الذكاء الاصطناعي من كلفة مرتفعة إلى محرّك أرباح مستدام؟

من الابتكار إلى “تجارة الذكاء الاصطناعي

لم يعد الرهان مقتصرًا على تطوير النماذج والخوارزميات، بل امتد إلى ما يمكن وصفه بـ«تجارة الذكاء الاصطناعي»، حيث أصبحت البنية التحتية، والرقائق المتقدمة، والطاقة، ومراكز البيانات، عوامل حاسمة في تحديد الرابحين والخاسرين. هذا التحول فتح الباب أمام استثمارات رأسمالية غير مسبوقة، لكنه في الوقت نفسه عمّق الفجوة بين شركات قادرة على تحمّل الكلفة وأخرى قد تتعثر تحت ضغط الإنفاق.

وانعكس ذلك بوضوح على أسواق المال، حيث لم تعد أسهم شركات الذكاء الاصطناعي تتحرك وفق الوعود المستقبلية فقط، بل تخضع لإعادة تسعير مستمرة تستند إلى القدرة الفعلية على تحقيق العائد الاقتصادي.

توقعات 2026: توسع، منافسة، وضغوط

ووفق ما نقلته شبكة «فوكس بزنس» عن كبير مسؤولي المعلومات في «غولدمان ساكس» ماركو أرجنتي، فإن عام 2025 شكّل نقطة التحول الكبرى، بينما يحمل عام 2026 ملامح مرحلة أكثر تعقيدًا وتأثيرًا. ومن أبرز التوقعات:

  • توسع غير مسبوق في قدرات الذكاء الاصطناعي، مع تحسينات تسمح للنماذج بفهم سياقات أوسع والتفكير بشكل أكثر تعقيدًا.
  • تحوّل نماذج الذكاء الاصطناعي إلى ما يشبه «أنظمة التشغيل»، قادرة على تصفح الإنترنت، والوصول إلى الملفات، وتنفيذ مهام متعددة الخطوات.
  • تصاعد أهمية القدرة على التكيف كمهارة أساسية في سوق العمل.
  • بروز شراكات صناعية كبرى تعيد تشكيل المشهد التقني.
  • احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في سباق الذكاء الاصطناعي.
  • مواجهة الشركات ما يُعرف بـ«صدمة الأسعار الرمزية» نتيجة تصاعد استخدام النماذج المتقدمة.
  • تحوّل الطاقة إلى أكبر عقبة أمام توسع الذكاء الاصطناعي.

2025… نقطة تحوّل حقيقية

يقول خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، د. أحمد بانافع، إن عام 2025 مثّل انتقالًا حاسمًا للذكاء الاصطناعي من كونه فكرة مستقبلية إلى واقع يومي يؤثر مباشرة في العمل والتعليم والصحة والإعلام وحتى السياسة.

ويشير إلى أن الشركات تجاوزت مرحلة الاختبار، بينما بدأت الحكومات تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كملف سيادي واقتصادي وأمني في آن واحد. كما شهد العام توسعًا كبيرًا في استخدام النماذج التوليدية، إلى جانب ارتفاع الطلب على الرقائق المتقدمة ومراكز البيانات، بالتوازي مع بروز أطر تنظيمية وقانونية بعد سنوات من الجدل الأخلاقي.

ويرى بانافع أن العالم يدخل 2026 بوعي مختلف، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي يُنظر إليه كفقاعة تقنية، بل كبنية تحتية أساسية للاقتصاد الرقمي.

ملامح 2026: كفاءة لا استعراض

بحسب بانافع، سيتحول التركيز في 2026 من حجم النماذج وسرعة تطويرها إلى قيمتها العملية وكفاءتها واستدامتها. وسنشهد توجهًا متزايدًا نحو نماذج أصغر وأكثر تخصصًا، موجهة لقطاعات محددة مثل الطب والقانون والطاقة وسلاسل الإمداد، حيث تصبح الدقة وتقليل الأخطاء أولوية قصوى.

كما أن ارتفاع كلفة التشغيل، سواء من حيث الطاقة أو البنية التحتية، سيدفع الشركات إلى إعادة تقييم العائد الاقتصادي، مع توجه متزايد نحو حلول تشغيل محلية داخل المؤسسات بدل الاعتماد الكامل على الحوسبة السحابية.

وعلى الصعيد التنظيمي، يتوقع أن يكون 2026 اختبارًا حقيقيًا للتشريعات، مع تركيز أكبر على الشفافية وتحديد المسؤوليات، خصوصًا في القرارات التي تمس حياة الأفراد.

عام الفرز الحقيقي

من جانبه، يرى أستاذ علوم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون، د. حسين العمري، أن عام 2025 كان عامًا انتقاليًا، انتقلت فيه التقنية من الضجيج إلى الاستخدام المنهجي والمنظم، مع بروز قضايا التنظيم والأخلاقيات وحماية البيانات.

ويؤكد أن 2026 سيكون عام الفرز الحقيقي: فرز بين شركات بنت قدراتها على أسس صلبة وأخرى اكتفت بالضجيج، وبين دول تملك البنية التحتية وتفرض قواعد اللعبة، وأخرى تكتفي بدور المتلقي.

ويتوقع العمري تشددًا تنظيميًا عالميًا، وسباقًا محمومًا على الرقائق والطاقة، واندماجًا أعمق للذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية بصورة أقل بهرجة وأكثر خفاءً.

أما الوكلاء الأذكياء (AI Agents)، فيُرجّح أن ينتقلوا في 2026 من مساعدين منفذين إلى فاعلين رقميين شبه مستقلين، يعملون ضمن فرق رقمية متكاملة لإدارة عمليات كاملة، مع بقاء التحدي الأكبر في مسألة المساءلة والمسؤولية القانونية.

الخلاصة

إذا كان 2025 عام النضج، فإن 2026 سيكون عام الأسئلة الصعبة:
أسئلة الربحية، والأمان، وحدود الاستقلال، ومن يملك القرار في عصر الذكاء الاصطناعي. فالتحدي لم يعد في بناء «أذكى آلة»، بل في تحقيق «أذكى استخدام» لتقنية ستحدد ملامح الاقتصاد والعمل والسياسة في السنوات المقبلة.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة