تلفزيون نابلس
كوكا كولا
أوروبا تتهيأ لسيناريو الحرب: لماذا تدعو الحكومات شعوبها للاستعداد لمواجهة روسيا؟
12/16/2025 8:49:00 PM

 في خطاب غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، تكثّف الحكومات الأوروبية تحذيراتها لمواطنيها من احتمال اندلاع حرب واسعة مع روسيا، في تحوّل لافت يعكس تصاعد القلق الأمني داخل القارة، رغم استمرار الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وخلال الأشهر الأخيرة، باتت التحذيرات الصادرة عن قادة سياسيين وعسكريين وأمنيين مشهداً شبه أسبوعي في أوروبا، وسط نبرة قاتمة تنذر بإمكانية انتقال المواجهة من أوكرانيا إلى قلب القارة. ووصفت صحيفة وول ستريت جورنال هذا الخطاب المتكرر بأنه “تحول نفسي عميق” في أوروبا التي أعادت بناء نفسها بعد حربين عالميتين على أساس السلام والاندماج الاقتصادي.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، شبّه المستشار الألماني فريدريش ميرتس استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا بخطوات أدولف هتلر عام 1938، عندما استولى على إقليم السوديت قبل أن يتوسع عسكرياً في أنحاء القارة، في مقارنة أثارت جدلاً واسعاً.

وجاء ذلك بعد أيام من تحذير الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته من أن “الحرب على أبوابنا”، داعياً الأوروبيين إلى الاستعداد لسيناريو مشابه لما واجهه أجدادهم، محذراً من أن روسيا قد تكون قادرة على استخدام القوة العسكرية ضد دول الناتو خلال خمس سنوات.

وفي فرنسا، ذهب رئيس أركان الجيش أبعد من ذلك، محذراً من أن البلاد “معرّضة للخطر”، وأن المجتمع الفرنسي يجب أن يكون مستعداً لتقبّل خسائر بشرية في حال اندلاع مواجهة عسكرية.

قلق أوروبي من واشنطن وموسكو معاً

يتزامن هذا التصعيد الخطابي مع مخاوف متزايدة في العواصم الأوروبية من توجهات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تسعى إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا. وتخشى أوروبا من أن يُفرض على كييف اتفاق سلام غير متوازن يتركها ضعيفة أمام أي هجوم روسي مستقبلي.

كما تتصاعد المخاوف من أن الولايات المتحدة، في ظل نزعة انعزالية متنامية، قد لا تتدخل عسكرياً للدفاع عن أوروبا في حال تعرضها لهجوم مباشر. وزادت هذه الهواجس بعد أن تجنبت استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة تصنيف روسيا كـ“عدو” للمرة الأولى منذ سنوات.

في المقابل، حمل التقييم السنوي للتهديدات في بريطانيا نبرة أكثر حدة، إذ حذرت رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية إم آي 6، بلايز متريولي، من أن موسكو ستواصل محاولات زعزعة استقرار أوروبا.

نهاية وهم “السلام الدائم

تمثل هذه التطورات انعطافة تاريخية لقارة تأسس اتحادها بدعم أميركي لمنع تكرار الحروب الشاملة، وفضّلت لعقود تقليص الإنفاق العسكري لصالح دولة الرفاه. غير أن هذا التوجه يواجه اليوم تحدياً كبيراً، إذ أظهر استطلاع للرأي أن ثلث الأوروبيين فقط مستعدون للقتال دفاعاً عن بلدانهم، مقارنة بـ41% في الولايات المتحدة.

وقال الأدميرال الهولندي المتقاعد روب باور، الذي شغل منصب أعلى مسؤول عسكري في الناتو، إن على أوروبا “الاستعداد للحرب للحفاظ على السلام”، مؤكداً أن الردع هو السبيل الوحيد لمنع توسع روسيا.

ويعزز هذه المخاوف ما تشير إليه بيانات استخباراتية من أن المجمع الصناعي العسكري الروسي بات ينتج أسلحة تفوق احتياجات حرب أوكرانيا، ما يثير القلق من قدرة موسكو على إعادة بناء قوتها وشن هجوم أوسع في وقت أقصر مما كان متوقعاً.

حرب هجينة بلا إعلان رسمي

وتتهم القيادات الأمنية الأوروبية روسيا بشن “حرب هجينة” بالفعل، تشمل عمليات تخريب للبنى التحتية، وهجمات سيبرانية، ومحاولات تجسس، ونشر معلومات مضللة. وأعلنت ألمانيا الأسبوع الماضي أن موسكو تقف وراء هجوم سيبراني استهدف إدارة الحركة الجوية عام 2024، ومحاولات للتأثير في الانتخابات عبر الإنترنت.

ويعتقد مسؤولون ألمان أن هذه الأنشطة تهدف إلى التمهيد لهجمات محتملة على خطوط الإمداد التابعة للناتو، لإعاقة نشر القوات في حال اندلاع صراع في بولندا أو دول البلطيق.

في المقابل، ينفي الكرملين جميع هذه الاتهامات، ويؤكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الحديث عن غزو دول أوروبية “محض كذبة”.

خطوات عملية نحو الاستعداد

في مواجهة هذا المشهد القاتم، بدأت الحكومات الأوروبية باتخاذ إجراءات عملية، إذ أعلنت فرنسا نيتها إعادة الخدمة العسكرية التطوعية، بينما تجري ألمانيا تدريبات واسعة لمحاكاة نقل سريع للقوات إلى الجبهة الشرقية. أما بريطانيا، فقلّصت تدريباتها خارج أوروبا للتركيز على “التهديد الروسي”.

كما اتفق أعضاء حلف الناتو على رفع الإنفاق الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي بحلول عام 2035، إضافة إلى تخصيص 1.5% لإجراءات أمنية مرافقة، تشمل تحصين البنية التحتية ضد الهجمات السيبرانية والتخريبية.

وبينما لا تزال الحرب الشاملة احتمالاً، لا حقيقة قائمة، فإن الرسالة الأوروبية باتت واضحة


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة