12/28/2025 8:20:00 AM
من غرب آسيا إلى شرق أفريقيا، توسّع "إسرائيل" دائرة الفوضى التي تقودها في المنطقة، مع اعترافها بــ"أرض الصومال" أو "صوماليلاند"، كـ"دولة مستقلة ذات سيادة"، في إعلان "جرى توقيعه بروح اتفاقيات أبراهام"، بحسب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكون "إسرائيل" الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة، سُؤل الرئيس الأميركي دونالد ترامب فوراً، عقب هذه الخطوة، عمّا إذا كانت واشنطن ستحذو حذو "تل أبيب"، ليجيب بأنّ الموضوع قيد الدراسة، ويردف بالسؤال: "هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال حقاً؟".
ما هي أرض الصومال؟
سؤال ترامب هذا هو للاستهزاء ليس إلّا، فهو وإدارته وحليفته "إسرائيل" يعرفونها جيداً، لكن ربّما يكون هناك من لم يسمع بأرض الصومال حقّاً، ولم يعرف أنّها منطقة لديها تاريخ وموقع استراتيجي يتصل بما تشهده المنطقة من حروب، ويشكّل جزءاً من توسيع النفوذ بين الدول الكبرى.
نشأة أرض الصومال
تاريخياً، كانت أرض الصومال جزءاً من جمهورية الصومال الموحدة منذ عام 1960، لكنّها أعلنت استقلالها في عام 1991، وأقامت دولة بحكم الأمر الواقع، متخذةً من هرجيسا عاصمةً لها.
جاءت هذه الخطوة، بحسب تقرير لـ"بي بي سي"، عقب صراع انفصالي، طاردت خلاله قوات الرئيس الصومالي الثالث سياد بري المتمردين في المنطقة، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتدمير مدن بأكملها.
وعلى الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي بها، تمتلك أرض الصومال نظاماً سياسياً، ومؤسسات حكومية، وقوة شرطة، وعملة خاصة بها، فيما يبلغ عدد سكانها 5.7 مليون نسمة، يتوزعون 177,000 كيلومتر مربع.
كما تقيم هرجيسا علاقات دبلوماسية مع عشرات الدول، بما فيها دول تعترف بسيادتها وأخرى لم تعترف بها بعد. ولدى أرض الصومال مكاتب تمثيلية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والإمارات وتايوان وغيرها. كما تستضيف سفارات وبعثات دبلوماسية من المملكة المتحدة وتركيا وتايوان وإثيوبيا وجيبوتي والإمارات.
لكن حتى الآن، تؤكّد الصومال الفدرالية أنّ "أرض الصومال" جزء من أراضيها.
موقع أرض الصومال
أمّا جغرافياً، فتقع أرض الصومال على طول خليج عدن بالقرب من مدخل مضيق باب المندب، وهو ممر مائي رئيسي يمر عبره ما يقرب من ثلث حركة الشحن العالمية، بحسب تقرير لمركز "Council on Foreign Relations"، البحثي.
وقد جعلها ساحلها، إلى جانب جارتيها إريتريا وجيبوتي، شركاء جذابين للحكومات الأجنبية الساعية إلى الوصول إلى البحر، وتعزيز وجودها البحري في المنطقة، بعدما أصبحت جيبوتي مركزاً للقواعد العسكرية الأجنبية؛ إذ تمتلك الصين وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة منشآت عسكرية فيها، فيما تسعى قوى أجنبية كبرى، من بينها الصين وروسيا والإمارات العربية المتحدة، بشكل متزايد إلى التقرب من إريتريا.
قاعدة عسكرية أمامية قرب اليمن
ونظراً لهذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي، يقول المراقبون، وفق صحيفة "الغارديان"، إنّ الاعتراف بدولة الصومال الانفصالية "يصب في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية، لقرب أرض الصومال من اليمن، حيث شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على مدى العامين الماضيين".
كذلك، ذكر تقرير صادر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عن معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، أنّ أراضي أرض الصومال يمكن أن "تُستخدم كقاعدة أمامية لعدة مهام، منها رصد معلومات استخباراتية عن اليمنيين وجهودهم التسلحية، ومنصة لشن عمليات مباشرة ضد اليمن".
وتريد "إسرائيل"، في مقابل علاقات مع أرض الصومال، "إنشاء قاعدة عسكرية في شمال الصومال"، بحسب ما أفادت صحيفة "ذا جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، في وقتٍ سابق من العام الماضي، إذ تقع تقع سواحل وأراضي أرض الصومال على بعد نحو 300 إلى 500 كيلومتر من المناطق اليمنية، بما في ذلك ميناء الحديدة.
فرص اقتصادية
وبحسب التقرير، فإنّ "إسرائيل تسعى إلى تعزيز أمنها القومي عن بُعد، ومواجهة اليمن، إلى جانب فرص اقتصادية أخرى محتملة قد تنشأ عن العلاقات الدبلوماسية".
وتشمل هذه الفرص الاقتصادية المحتملة زيادة الاستثمارات في الزراعة والطاقة والبنية التحتية، بحيث أشار موقع "ميدل إيست مونيتور" إلى أنّ "معرفة إسرائيل في الزراعة وخبرتها في هذا المجال، كنموذج الكيبوتسات، يمكن استغلاله لتعزيز وتأمين قاعدة عسكرية في أرض الصومال".
تهجير الغزيين
المخطط الإسرائيلي لا ينحصر بهذه الأهداف فقط، فقد أقرّت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ اعتراف "إسرائيل بأرض الصومال كدولة قد يكون جزءاً من الضغط الإسرائيلي لتهجير الغزيين ضمن خطة ريفيرا غزة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أكثر من نصف عام".
هذا الأمر ليس بالمستجدّ، فقد كشف تقرير لوكالة "أسوشيتد برس"، في وقتٍ سابق، أنّ الولايات المتحدة و"إسرائيل" تواصلتا مع مسؤولين في السودان والصومال وإقليم أرض الصومال لمناقشة استخدام أراضيها "كوجهات محتملة لإعادة توطين الفلسطينيين الذين شُرّدوا من قطاع غزة، في إطار خطة ما بعد الحرب التي اقترحها ترامب"، وفقاً لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين.
صراع نفوذ
ويأتي الاعتراف الإسرائيلي وسط مؤشرات على تغير أوضاع البلاد، ويعود ذلك جزئياً، بحسب موقع "theconversation"، إلى خسارة الغرب حلفاءه في منطقة القرن الأفريقي لصالح الصين، ما يدلّ على سعي إسرائيلي مدعوم أميركياً لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، وتثبيت هيمنة أميركية على القرن الأفريقي.
فمع صعود قوى عالمية جديدة، انتهجت إدارات أرض الصومال سياسة خارجية متنوعة بشكل متزايد، بهدف واحد: الاعتراف الدولي. ففي آذار/مارس الماضي، أجرت الولايات المتحدة وإدارة "أرض الصومال" مناقشات بشأن اتفاقية محتملة تسمح لواشنطن "الاعتراف" بها مقابل إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية.
وتمحورت المناقشات المُعلنة حينها حول "اهتمام واشنطن بتأمين وجود عسكري طويل الأمد في بربرة، وهو ميناء عميق المياه على خليج عدن أصبح محوراً للتنافس الجيوسياسي في القرن الأفريقي"، وذلك مع تزايد القلق الأميركي بشأن "النفوذ الصيني" المتنامي في المنطقة، ولا سيما بعدما حصلت بكين على قاعدة عسكرية في جيبوتي المجاورة.
وقد صرح مسؤولون في أرض الصومال لصحيفة "نيويورك تايمز"، هذا العام، بأنهم يتطلعون بشدة إلى إبرام اتفاق مع الرئيس ترامب يسمح للولايات المتحدة باستئجار ميناء على خليج عدن ومدرج طائرات يعود إلى حقبة الحرب الباردة، مقابل اعتراف دولي طال انتظاره. وأضافوا أنّ هذا الدعم من السيد ترامب من شأنه أن يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية وتوسيع العلاقات الدبلوماسية والأمنية.
وكانت قد تجلّت ملامح صراع النفوذ هذا بين واشنطن والصين في منطقة القرن الأفريقي، مع سعي حكومة أرض الصومال إلى تعزيز التعاون مع حكومة تايوان في مجال الأمن البحري، بما في ذلك توقيع اتفاقية بين خفر السواحل للطرفين، في حين تعمل أرض الصومال وتايوان على تطوير التعاون في مجالات الصحة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعليم والبنية التحتية، منذ العام 2020.
وإن دلّت هذه الوقائع على شيء، فهي تدلّ على أنّ ترامب الذي سأل "ما هي أرض الصومال؟"، هو أكثر من يعرف الإجابة، وإدارته تعمل، من خلف الكواليس، على إعادة توجيه سياسة شرق أفريقيا بما يتماشى مع المصالح الأميركية عسكرياً واقتصادياً، حتى من دون خطوة إعلان اعتراف واشنطن بها "دولة مستقلة".
لم يسبق لأحد منذ إعلان "أرض الصومال"، انفصالها عن الصومال عام 1991، أن اعترف بها كـ"دولة مستقلة"، قبل "إسرائيل"، لكن رغم الاعتراف الإسرائيلي، والضغوط الأميركية، ترفض الصومال رسمياً التعدّي على سيادة أراضيها. كما أثارت هذه الخطوة مواقف عديدة منددة، كان على رأسها تركيا ومصر وإيران وجيبوتي.
وتبعاً لهذه التطورات والمواقف المتصاعدة، يحذّر المحللون من أنّ هذا الاعتراف قد "يزعزع استقرار المنطقة، ويعزز الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب، ويعقد العلاقات مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل مصر وتركيا والاتحاد الأفريقي".
المظلة الأميركية للتدخل الإسرائيلي
وتشير دراسة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أنّ الانخراط الدولي المتزايد في "أرض الصومال"، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، لا يهدف إلى تحقيق الاستقرار، بل إلى توظيف الإقليم كمنصة عسكرية وجيوسياسية في صراع النفوذ الدولي في القرن الأفريقي.
وتؤكد الدراسة أنّ هذا المسار يهدد وحدة الصومال، ويعمّق هشاشة الإقليم، ويحوّل شرق أفريقيا إلى ساحة مفتوحة للتنافس العسكري، ما يعزز الفوضى بدل احتوائها.
في المحصّلة، لا يمكن فصل الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" عن نمطٍ أوسع من إدارة الفوضى الإقليمية، من غرب آسيا إلى القرن الأفريقي، كأداة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية بما يخدم المصالح الإسرائيلية – الأميركية المشتركة. فهذا التمدد، الذي يُغلَّف بشعارات الاعتراف والسيادة والشراكات الأمنية، يفتح الباب أمام مزيد من التفكك، ويحوّل شرق أفريقيا، ومنطقة خليج عدن، إلى ساحة جديدة للصراع العسكري والتنافس الدولي.
وبينما تتحرّك "إسرائيل" في الواجهة، تبقى الولايات المتحدة الداعم الاستراتيجي الذي يوفّر الغطاء السياسي والوظيفي لهذه المقاربة، ما يجعل الفوضى الناتجة عنها جزءاً من هندسة نفوذ مقصودة، لا نتيجة جانبية غير محسوبة.
وهذا التدخل الإسرائيلي، الذي يضرب وحدة الدول ويشرعن الكيانات الهشّة، لا يزعزع استقرار شرق أفريقيا فقط، بل يحوّل "أرض الصومال" إلى منصة عسكرية واستخباراتية متقدمة في خدمة الأجندة الإسرائيلية. والأخطر أنّ هذا الدور لا يُمارَس خارج المظلة الأميركية، بل يندرج ضمن تقاطع مباشر مع المصالح الاستراتيجية لواشنطن، التي تستخدم "إسرائيل" كذراع متقدّمة لإعادة رسم خرائط النفوذ والسيطرة البحرية والعسكرية.