تلفزيون نابلس
كوكا كولا
اليمين في إسرائيل: حين يصبح حلم الإبادة مشروعًا… وحين تتهاوى الديمقراطية تحت رصاص التحريض
12/10/2025 10:30:00 PM

 في خضم الجدل المحتدم حول ما إذا كانت سياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، يكاد لا يوجد خلاف على الوقائع الأساسية. قد يختلف المراقبون حول العدد الدقيق للضحايا أو حجم الدمار، لكن النقاش الحقيقي لا يكمن في الأرقام، بل في الذهنية التي جعلت القتل والترحيل خيارًا مقبولًا — بل ضروريًا — لدى قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي.

فبينما يدور السجال الدولي حول ما إذا كانت 70 ألف جثة كافية لتوصيف ما يجري بأنه إبادة، يذهب جزء كبير من الإسرائيليين إلى ما هو أبعد:
ليس المهم إن كانت إبادة… المهم أنها “مبررة” ويجب تنفيذها.

من غزة إلى الضفة إلى الداخل… “الإبادة” كخيال قومي مشروع

تحوّل التحريض على قتل الفلسطينيين وترحيلهم — سواء في غزة أو الضفة أو القدس أو حتى داخل الخط الأخضر — إلى خطاب عادي في أوساط اليمين الإسرائيلي. فطالما أن “التمني” لا يُعاقب عليه القانون، يسمح كثيرون لأنفسهم بالتفكير علنًا في “حل نهائي” للمسألة الفلسطينية.

لكن الخطر الأكبر يبدأ عندما تصبح هذه الأمنيات مشروعة اجتماعيًا، لأن الطريق بين الإبادة المتخيلة والإبادة الفعلية لا يمر دائمًا عبر الدبابات والطائرات، بل عبر آليات أخرى أكثر هدوءًا، لكنها مدمرة بالقدر ذاته.

إبادة بلا رصاص: العرب خلف الجدار السياسي

ما يحدث مع الفلسطينيين داخل إسرائيل مثال صارخ على الإبادة السياسية:
استئصال شعب من المجال السياسي دون إطلاق رصاصة واحدة.

أصبحت الأحزاب العربية في استطلاعات الرأي كيانًا “ملوثًا” لا يقترب منه أي حزب يهودي دون أن يُصدر حكمًا بإعدام نفسه سياسيًا. العرب باتوا خارج اللعبة… وخارج “شرعية” الشراكة في الحكم.
هذه العملية “الناعمة” تجد تبريرها في خطاب “ما يريده الشعب”.

نتنياهو ومعسكره: هندسة مجتمع خاضع

حكومة نتنياهو لا تكتفي بإدارة انقسام سياسي، بل تقود حملة تطهير سياسي وثقافي تستهدف كل من يُعرّف كـ“عدو داخلي”.
الأمثلة تتراكم:

  • رفض تعيين العقيد غيلتمان بسبب انتمائه لـ“إخوة السلاح”.
  • اعتقال المتظاهرين والتحقيق معهم بطرق مهينة.
  • منع المظاهرات في قلب حيفا بقرار من رئيس بلديتها “الليبرالي”.
  • السيطرة المتزايدة على الإعلام بحجة “العداء للدولة”.
  • قطع التمويل عن المسارح “غير اللائقة”.
  • مقاطعة رئيس المحكمة العليا.
  • التحريض ضد الجهاز القضائي.
  • تعليمات للمدارس حول من يسمح باستضافته.
  • مشاريع قوانين لفصل محاضرين لمجرد تعبيرهم عن رأي سياسي.

كل ذلك ليس أحداثًا متفرقة، بل مكوّنات عملية منهجية تستهدف إسكات كل صوت معارض، وتقييد المجال العام، وإعادة تشكيل المجتمع الإسرائيلي على صورة واحدة:
مجتمع متجانس، خائف، مطواع.

خطوات الإلغاء: من تعريف “العدو” إلى تجريده من الإنسانية

تتبع آلة اليمين وصفة تاريخية:

1.   تحديد العدو: “الخونة”، “رجال الدين”، “رافضو التجنيد”، “الدولة العميقة”، “أعداء الصهيونية”.

2.   وسم العدو برموز تحقيرية تُفقده شرعيته.

3.   ربطه بالأعداء الحقيقيين: حماس أو “مجرد عرب”.

4.   تبرير القضاء عليه سياسيًا… وربما أبعد من ذلك.

وحين تتبنى القيادة فكرة أن الإبادة خيار مقبول ضد الفلسطينيين خارجيًا، فمن الطبيعي أن تتحول الإبادة السياسية للمعارضين اليهود إلى خطوة تالية في مشروع السيطرة.

انقلاب؟ لا… ما هو أخطر من الانقلاب

ما يجري ليس “محاولة انقلاب”، بل شيء أعمق وأكثر خطورة:
تحويل الشعب نفسه إلى عدو، وضرب الأسس التي تقوم عليها أي ديمقراطية.

فحين يصبح التمني بالإبادة مشروعًا، يصبح تنفيذها مسألة وقت… ومسألة ظروف مناسبة.

هكذا يُصاغ مستقبل إسرائيل اليوم:
بـ“غزة أولًا” و“اليسار بثلاث رصاصات”، وبشعب يُدفع نحو حافة هوّة لا يقف على طرفها الفلسطينيون وحدهم، بل الإسرائيليون أنفسهم.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة