الحريديم يهددون نتنياهو.. إقرار الميزانية يمر عبر "قانون التجنيد" الجديد
12/4/2025 6:20:00 AM
وجدت الطائفة الحريدية -فيما يبدو- في مسودة قانون التّجنيد الذّي تقدّمت به، مؤخراً، كتلة "الليكود" للتصويت عليه في الكنيست، ضالتها المنشودة، حيث استجابت، بشكل كبير، لمطالبها بالإعفاء، ومنحت شبه حصانة لطلبة المدارس الدينية؛ مما جعلها، لأوّل مرة، تهدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحجب الثقة عن الميزانية في حال عدم تمرير القانون.
وصعدّ قطبا الحريدية السياسية في إسرائيل ("شاس"- "يهودت هتوراة")، من خطابهما السياسيّ حيال رئيس الوزراء؛ إذ نقلت قناة "إسرائيل 24"، عن رئيسيِّ الحزبين المذكورين أرييه درعي وموشيه غفني، قولهما: "دون قانون تجنيد لن تكون هناك ميزانية".
وأكدت مصادر إسرائيلية مطلعة أنّ هذه الرسالة المهمة التي بثها درعي وغفني في ساعة متأخرة من مساء أمس، تستهدف بمعية نتنياهو، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والبعض من نواب كتلة الليكود الذين أبدوا تبرماً ورفضاً واضحاً لمسودة القانون.
يُمثل التهديد بعدم التصويت على الميزانية رسالة سياسية مضمونة الوصول لوزير المالية ولطاقم الحكومة أنّ عرقلة التصويت على مسودة قانون التجنيد سيعارضها تلازمياً حجب للثقة عن الميزانية الحالية والتي تعرف بدورها صعوبات جمة في إقرارها، خاصة عقب الزيادة المهولة في ميزانية الدفاع، والطفرة المتوقعة في مستوى الإنفاق على التسليح.
ضجة في الكنيست
وبمجرد تسريب بعض فصوله، أحدث مشروع قانون التجنيد ردود فعل متباينة جداً لدى مكوّنات الائتلاف الحكومي، الأمر الذّي أوقع نتنياهو بين مطرقة الأحزاب الحريدية وسندان باقي الأحزاب السياسية، بما فيها بعض أجنحة الليكود، والتي أبدت معارضتها التصويت عليه.
وينص مشروع القانون الذي عرضته كتلة الليكود، على 4 نقاط أساسية، هي: تحديد كوتا سنوية للتجنيد تتراوح بين 3 آلاف و4 آلاف من الحريديم، ورفع سن الإعفاء النهائي إلى 26 عاماً فقط، ومنح حصانة قانونية لطلاب المدارس الدينية، لاسيما الأوائل منهم، وفرض عقوبات مالية على المدارس في حال عدم تحديد الكوتا السنوية.
وعلى الرغم من كونه خطوة أولى في مسار التجنيد، إلا أنّه ما زال بعيداً كل البعد عن تحقيق مبدأ المساواة في الخدمة العسكرية بين مواطني إسرائيل، وهو الأمر الذي طالبت به المحكمة العليا عند دعوتها للكنيست والحكومة إلى إقرار قانون يضمن المساواة في الخدمة العسكرية الإلزامية.
ويعتبر معارضو هذا المشروع، أنّ المسودة وعلى عكس منطق ومنطوق المحكمة العليا، تثبت "الحصانة" لأبناء الطائفة الحريدية، وتمنحهم شبه إعفاء من التّجنيد.
أزمة جدّ خطيرة
وحيال هذا المشهد، يؤكد المراقبون للشأن الإسرائيلي أنّ هذه الأزمة تمثل واحدة من أخطر الأزمات السياسية والتي يمكنها أن تعصف بحكومة نتنياهو ومعها حزامها البرلماني.
فلئن تمكن الائتلاف الحاكم من المحافظة على تماسكه بعد الاستقالة الجماعية لوزراء الأحزاب الحريدية في يوليو الفارط وبقائهم ضمن الائتلاف، وذلك عقب تقديم كتلة الليكود لمشروع قانون يلزم الحريديم بالخدمة العسكرية، فإنّ المشروع الجديد قد ينهي هذا التوافق الهش، وقد يُنذر بحل الكنيست، وإعلان انتخابات برلمانية مبكرة.
وفي الحالتين، فإنّ استمرار الحكومة في عملها لن يكون مضموناً، وفي حال اختار نتنياهو الذهاب إلى الانتخابات المبكرة، فإنّه يهب المعارضة وحلفاءه في الحُكم بمن فيهم سيموتريش، وبن غفير، فرصة سياسية ذهبية بأن يشكلوا غالبية سياسية جديدة وبأن يخلفوه في رئاسة الحكومة.
وتؤكد استطلاعات نوايا التصويت في الانتخابات المقبلة أنّ غالبية المستجوبين لا تؤيد منح نتنياهو عهدة رئاسية جديدة، على الرغم من النجاحات الأمنية والعسكرية التي حققها خلال الفترة الأخيرة.
ويُعزى هذا الموقف إلى تحميله المسؤوليّة السياسية في أحداث 7 أكتوبر 2023، وبالنظر أيضاً إلى طبيعة التهم الموجهة إليه (كلها تهم فساد مالي)، وحروبه السياسية المعلنة على مقوم من مقومات الديمقراطية في إسرائيل ألا وهي المحكمة العليا.
جبهة معارضة آخذة في الاتساع
وأكدت مصادر إعلامية وسياسية إسرائيلية مطلعة أنّ جبهة المعارضين للقانون من داخل الحكومة آخذة في الاتساع، حيث أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، عن انضمامه لجملة الرافضين لقانون التجنيد.
ونسبت هيئة البث الإسرائيلية "كان"، إلى سموتريتش قوله خلال جلسة لكتلته البرلمانية "الصهيونية الدينية"، إنّ الصيغة الحالية للقانون لا تتيح أي إمكانية لدعمه.
وبهذا يكون سموتريتش آخر الملتحقين بركب الرافضين للقانون من داخل الحكومة، بعد وزير الهجرة والاستيعاب أوفير سوفير (ينتمي لكتلته البرلمانية)، وبعد يُولي إدلشتاين الرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن (كتلة الليكود).
وبهذا المنحى، ينضم سموتريتش وإدلشتاين وسوفير، إلى المعارضة الأصلية في رفضها القاطع لهذا المشروع، إذ وصفه يائير لبيد (يتش عتيد- الوسط)، بقانون الهروب الكبير، وبأنه وصمة عار على الجبين، وخيانة لجنود الاحتياط.
أما بيني غانتس (المعكسر الوطني- الوسط)، فاعتبر أنّ هذا القانون لا يلبي الحد الأدني من متطلبات الأمن.
من جهته وصف أفيغدور ليبرمان (اليمين)، قانون التجنيد بقانون التهرب من التجنيد" مطالباً بعقوبات جنائية وليست مالية على أي شاب يتخلف عن التجنيد، وطالب بوقف فوري لتمويل المؤسسات الدينية.
الجيش يريد تجنيد الحريديم
وخلال تطرقه للقانون، تحدث بني غانتس بخلفية عسكرية صرفة، قائلاً إنّ المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تطالب بزيادة كبيرة في أعداد المجندين، لا سيما بعد حالة الاستنفار والتعبئة التي عاشها الجيش الإسرائيلي طيلة سنتين من القتال على أكثر من جهة وجبهة، بما أدت إلى مقتل وإصابة الآلاف.
ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه بأمس الحاجة لـ 12 ألف جندي لسد الثغرات الموجودة، ولحسن توزيع المهام القتالية والعسكرية على قواته.
في هذا السياق، تشير مصادر عسكرية إسرائيلية إلى أنّ الجيش له موقف مهني رافض ومعارض لكافة النقاط الأربع التي تمثل أساس مشروع قانون التجنيد.
ويرفض الجيش الإسرائيليّ "الكوتا"، بالنظر لحاجته الشديدة لمشاركة أوسع من المجندين، كما يرفض تسقيف السن الأعلى للتجنيد، ونفس الأمر لحصانة المعاهد الدينية من التجنيد، ولطبيعة العقوبات.
مشروع قانون ساقط؟
وفي سياق متصل، تستبعد مصادر إعلامية وسياسية إسرائيلية أن يحظى هذا المشروع بالغالبية البرلمانية، بالنظر للمظلة الواسعة من الرافضين وهي مظلة تستوعب كتلاً برلمانية واسعة تبلغ عددياً 63 صوتاً من أصل 120، في حال أضفنا لها كتلة "الصهيونية الدينية" برئاسة سيموتريتش، فيما يبلغ عدد مقاعد المؤيدين له 57 مقعداً.
ومن غير المستبعد أن تلعب كتلة "الصّهيونية الدينية" دور بيضة القبان في التوازنات السياسية، وأن يكون بيدها قرار إقرار القانون في الكنيست، ولهذا توجه رؤساء الأحزاب الحريدية لسيموتريتش بالقول إنّ مصير الميزانية يقرره قانون التجنيد.
وفي كل الحالات، فإنّ العقبات التي تنتظر قانون التجنيد لا تقف عند التوازنات البرلمانية في الكنيست، بل تتجاوزها لتبلغ "المحكمة العليا" والتي تمتلك حق نقض ورفض أي قانون تعتبره لا يتماشى مع المبادئ الديمقراطية العليا، وعلى رأسها المساواة بين المواطنين.
هل سييتجاوز قانون التجنيد كل هذه العقبات؟ يتساءل المراقبون في إسرائيل وسط ظلال من الشكوك...لكي يجيبوا: من الصعب جداً، فالغالبية مفتقدة، وحتى إن تم تحصيلها فالمحكمة العليا تتربص به، لا فقط لأنّه يعارض مبدأ المساواة، ولكن أيضاً لأنها هي من أمرت السلطة التنفيذية والتشريعية في إسرائيل لسن قانون للتجنيد يخرج الدولة من حالة الفراغ القانوني الذي استغله الحريديم لعقود طويلة من الزمان.