
لم يكن أبو عبيدة مجرد ناطق عسكري، بل تحوّل على مدار عقدين إلى أحد أبرز رموز المقاومة الفلسطينية، وصوتٍ عابرٍ للحدود نقل معارك غزة من الميدان إلى الوعي الجمعي العربي والدولي. بوجهٍ ملثّم وصوتٍ ثابت، صاغ الرجل سردية كتائب الشهيد عز الدين القسام في أكثر المراحل اشتعالاً في تاريخ الصراع.
ونعت كتائب القسام ناطقها الرسمي أبو عبيدة، مؤكدة أن اسمه الحقيقي حذيفة عبد الله الكحلوت، الرجل الذي “قاد منظومة إعلام القسام باقتدار، ونقل للعالم مجريات طوفان الأقصى في أبهى صورها، وبطولات مجاهدي غزة”، ليغيب جسده فيما تبقى كلماته حاضرة في الذاكرة.
آخر رسالة.. ووعيد مفتوح
وكانت آخر تدوينة نشرها أبو عبيدة على منصة تلغرام بمثابة رسالة وداع مشحونة بالتحذير، توعّد فيها إسرائيل بدفع ثمن أي خطة لاحتلال مدينة غزة من “دماء جنودها”، مؤكداً أن الأسرى الإسرائيليين سيكونون في مناطق القتال نفسها، ويعيشون ظروف المخاطرة ذاتها.
أما آخر ظهور مصوّر له، فكان بتاريخ 18 يوليو/تموز الماضي، حيث شدد فيه على جاهزية الفصائل الفلسطينية لخوض “معركة استنزاف طويلة” ضد إسرائيل، في خطاب عكس ثقة عالية بقدرة المقاومة على الصمود وتغيير معادلات القوة.
من جباليا إلى واجهة المقاومة
وُلد أبو عبيدة عام 1984 في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ونشأ في بيئة لاجئة محافظة، شكلت وعيه السياسي والوطني مبكراً. التحق بصفوف حركة حماس وذراعها العسكري مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حيث تدرج في مهام ميدانية وإعلامية داخل كتائب القسام.
تلقى تعليمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ثم واصل دراسته في الجامعة الإسلامية بغزة، وحصل على درجة الماجستير في تفسير القرآن الكريم، جامعاً بين التكوين الديني والخطاب السياسي والعسكري.
الظهور الأول وصناعة الصورة
برز أبو عبيدة إعلامياً لأول مرة في أكتوبر/تشرين الأول 2004، خلال معركة “أيام الغضب”، حين عقد أول مؤتمر صحافي لكتائب القسام أعلن فيه تفاصيل المواجهات ضد الاجتياح الإسرائيلي لشمال قطاع غزة. ومنذ ذلك اليوم، أصبح الواجهة الإعلامية الأبرز للقسام، وارتبط اسمه بإعلانات العمليات العسكرية والتصدي للتوغلات الإسرائيلية.
وبعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، تولى رسمياً منصب الناطق الإعلامي باسم كتائب القسام، ليتحول لاحقاً إلى أحد أكثر الأصوات متابعة وتأثيراً في المشهد الفلسطيني.
مهندس الإعلام العسكري
وبصفته رئيس دائرة الإعلام العسكري في القسام، أشرف أبو عبيدة على منظومة متكاملة شملت التوثيق والتصوير الميداني، والعمليات النفسية، وإدارة المنصات الإعلامية، إضافة إلى إصدار البيانات المرئية والمكتوبة التي باتت تشكل جزءاً أساسياً من الحرب الإعلامية.
ورغم حضوره الطاغي، عُرف بندرة ظهوره العلني، إذ عاش في ظروف أمنية مشددة، متجنباً الاحتكاك المباشر بالناس، في ظل محاولات إسرائيلية متكررة لتعقبه واغتياله.
الاغتيال… وبقاء الأثر
وفي 30 أغسطس/آب الماضي، أعلن الاحتلال الإسرائيلي اغتيال أبو عبيدة في قصف استهدف حي الرمال بمدينة غزة، ليطوي بذلك صفحة رجلٍ صنع من الكلمة سلاحاً، ومن الخطاب جبهة موازية للميدان.
رحل أبو عبيدة، لكن صوته الذي نقل “طوفان الأقصى” إلى العالم، ورسائله التي أربكت إسرائيل، جعلت منه أكثر من اسم أو منصب. لقد تحوّل إلى رمزٍ إعلامي وعسكري، وإلى حالةٍ يصعب اغتيالها، حتى بعد استشهاد صاحبها.
أخبار محلية
أخبار فلسطينية
أخبار اسرائيلية
أخبار فلسطينية
|
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |