تلفزيون نابلس
فضوله القاتل أغرقه في وحل التخـابر
11/26/2014 12:19:00 PM

" أخذوني لحم ورموني عظم " , هكذا عبَّر الشاب العشريني ( م.م ) عن طبيعة العلاقة التي جمعته بضابط المخابرات الصهيوني " مروان " على مدار تسعة أشهرٍ من العمالة مع الاحتلال لتنتهي مسيرة تخابره بحكمٍ قضائي بالسجن لمدة عشر سنوات.

يروي حكايته وترتسم على معالم وجهه ابتسامة مصطنعة تُوحي بمرارة الألم التي عايشها طوال سبع سنواتٍ خلف قضبان السجن عقاباً لما اقترفت يداه.

بدأت قصة ارتباطه باتصالٍ خاطئ لم يكن يدري أنه سيكون بوابة العبور نحو الهاوية , أراد في ذات يومٍ من أيام شتاء عام 2007 الاتصال على أحد أصدقائه في مدينة نابلس بالضفة الغربية ليرد على اتصاله شخصٌ يتحدث العبرية.

استغرب في بداية الأمر إلا أن فضوله القاتل جعله يعاود الاتصال مراراً وتكراراً إلى أن سمع صوت امرأة تتحدث العربية بصعوبة , دعته لعدم الاتصال ثانيةً إلا أنه أصرَّ على ذلك ولم يرتدع , وفي صباح اليوم التالي تفاجأ باتصالٍ غريب على جواله يبدو عليه " دولياً ".

تردد في البداية إلا أنه قام بالرد على المكالمة ليتبين له أن المُتصل هو أحد ضباط المُخابرات , سأله عما إذا كان ينقصه شيء فأجاب : " نعم أنا بحاجة للعمل في إسرائيل والعيش هناك " , رد عليه الضابط : " بس هيـك ؟! بسيطة تعال على السلك وأنا حدخلك تشتغل "

بعد مدةٍ قصيرة فكَّر الشاب بكلام الضابط ملياً , وقرر التوجه إلى شرق مخيم جباليا للدخول تهريباً إلى الأراضي المُحتلة , وصلَ إلى هناك ليلتقي داخل أحد المواقع العسكرية بضابط المخابرات " مروان " , طرحَ عليه العمل معهم كمُتخابر مقابل المال , فكَّر في بداية الأمر وبعد برهةٍ بسيطة تم الاتفاق فيما بينهما على كل شيء.

قضى ( م.م ) مدة ثلاثة أشهر في سجون الاحتلال الصهيوني حيث كان ضابط المخابرات يزوره بين فترةٍ وأخرى ويوفر له ما يلزم من مصروفات الكنتين وغيرها , وبعد قضائه المدة المُحددة أُطلق سراحه لينفذ ما أُسند إليه من مهام.

بعد عودته لغزة هاتفه الضابط طالباً منه جمع معلوماتٍ تتعلق بأحد قادة المقـاومة في منطقته " تحركاته , أصدقائه المقربين , رقمه الشخصي , معلومات كاملة عن عمله العسكري .. إلخ " , ما كان منه إلا أن أدلى بكل المعلومات المطلوبة وأتم المهمة على أكمل وجه.

استمر ضابط المخابرات في تصيد المعلومات الخاصة بأفراد المقاومة ورجالاتها , وبمقابل ذلك استلم المُتخابر ( م.م ) العديد من المبالغ المالية على فتراتٍ متباعدة من نقاطٍ ميتة كان يحددها له الضابط بدقةٍ مُتناهية.

أطرق برأسه وقال : " بعد كل هذا طلب مني مروان أن أقابله وطلب مني التوجه إلى السلك الفاصل شرق مخيم جباليا مرةً أخرى , وفعلاً ذهبتُ وقابلته هناك حيثُ كنت على تواصل مُباشر معه أثناء توجهي إليه خوفاً من قيام الجيش بإطلاق نيرانهم صوبي ".

وأضاف : " هذه المقابلة كانت بمثابة طلقة الرحمة التي قضت عليَّ وجعلتني عُرضةً للريبةِ والشك , فلا أنكر أنني عُدت منها بمبلغٍ مالي _ لم يتجاوز الألف دولار _ لكني فقدتُ أمناً كنتُ أشعر به سابقاً على الأقل "

وتابع حديثه بصوتٍ مختنق : " بدأت أشعر أن أمري قد كُشف , فاتصلتُ على مروان وأبلغته بذلك وقلتُ له أنني سأتوجه حالاً إلى السلك الفاصل لأنجو بنفسي فرفض ذلك وأمرني بالبقاء وعدم الاكتراث والخوف "

ولفت إلى أنه شعر حينها أن ضابط المُخابرات يُريد الإيقاع به فتسارع بخطاه نحو السلك الفاصل لينجو بنفسه إلا أن جيش الاحتلال اعتقله وألقى به في الجانب الفلسطيني من معبر بيت حانون " إيريز " بتعليمات مُباشرة من الضابط " مروان " , لتتسلمه فيما بعد الأجهزة الأمنية بغزة.

خضع الشاب لتحقيقات مُكثفة لدى جهاز الأمن الداخلي وأقرَّ بكل التفاصيل التي أودت به إلى ذلك المُستنقع ولم يُخفِ عنهم شيء , يقول في هذا السياق : " احتضنني أفراد الأمن ولم أتعرض لأي ضغط نفسي أو جسدي وقد كانوا حريصين أشد الحرص على عودتي لحضن شعبي من جديد ".

ويقبع الآن ( م.م ) في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل بمدينة غزة , وقد تلقى طيلة الفترة السابقة الكثير من المحاضرات الأمنية والتثقيفية والدينية التي من شأنها أن تُعيده مواطناً صالحاً نافعاً لمجتمعه , مؤكداً أنه أتم حفظ عشرة أجزاء من القرآن الكريم واجتاز عدة دورات في تلاوة وأحكام القرآن

وفي ختام حديثه معنا آثر إلا أن يوجه رسالةً لكافة أبناء الشعب الفلسطيني قائلاً : " التخابر موتٌ مع وقف التنفيذ , لذلك لا تدعو ضباط المخابرات يتمكنون منكم كما تمكنوا مني ومن غيري , فهمهم الوحيد حماية كيانهم المسخ ولا اعتبار عندهم للعميل طالما أنه خان وطنه وأهله وشعبه ".

ونصحَ الشباب بعدم البعد عن الله عز وجل والسير خلف الملذات والمعاصي واصفاً ذلك بالطريق الأقصر للهلاك , واستطرد : " ها أنا قد وقعتُ في وحل التخابر ولم ينفعني وعوداتهم الواهية ولا أموالهم اللاهية , تقربوا لربكم أكثر وابتعدوا عن الفضول الذي يقع فيه الكثير من الشباب حتى لا تكونوا فريسةً سهلة للمخابرات "


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة