تلفزيون نابلس
شهيدة ميدان التحرير : سالي التي استشهدت مرتين بقلم : كفى الزعبي
2/18/2011 6:24:00 PM

في اعتصامهم أمام مجمع النقابات احتفالا بانتصار الثورة المصرية, شطب الاسلاميون صورة الشهيدة سالي زهران من الملصق الذي يحمل صور وأسماء بعض شهداء هذه الثورة, واستبدلوها بصورة أخرى!!!!?????
الصورة الأخرى كانت طبعا لرجل! للوهلة الأولى وقفت أمام هذا الخبر صامتة, يعتريني الدهشة والذهول والإشمئزاز! 
ومع أن انفعال الدهشة ينتج في العادة عن سؤال تصعب الإجابة عليه:"لماذا?", أي عن حالة عدم فهم وإدراك, فإن هذه اللماذا لم تدو في رأسي, لأنني كنت أعرف إجابتها. بل ان السؤال الذي يبدو أكثر منطقية في هذه الحالة هو : لماذا الدهشة?!
للحظات بقيت أحدق صامتة في الملصق الذي حمله المعتصمون الإسلاميون في اعتصامهم ( تعبيرا عن فرحهم بانتصار الثورة!), الملصق الذي امتدت أياديهم إليه لتحذف منه صورة سالي "وردة الجناين, وردة الميدان", لتؤكد لنا مجددا أنها بفعلها هذا, إنما هي أياد ديكتاتورية ستكون أشد بطشا وقمعا وإضطهادا, أن وصلت - لاسمح الله - إلى السلطة. 
لكن, ولأسفهم الشديد, فقد انطبعت الصورة الأصل لهذا الملصق في ذاكرة الملايين, إلى حيث سيصعب على تلك الأيادي أن تمتد. وستبقي النظرة في عيني سالي المبتسمتين لحياة سيحياها آخرون, ولحرية سينعم بها من بقي على الأرض, تعبر في أذهان الناس موشحة بشريط أسود حزين طافح بالامتنان والعرفان بالجميل....أنا واثقة أن هذه هي الفكرة التي تجول في خاطر كل رجل سوي الإنسانية والقيم, حينما ينظر إلى صورة سالي....لكن وعلى ما يبدو ليست هي الفكرة التي تجول في خواطر الرجال الإسلاميين!
ربما لن يتسع المكان هنا للحديث عن نظرة الإسلاميين الدونية للمرأة, وربما فعلهم ذلك هو أبلغ تعبير عن هذه النظرة, فلسنا بحاجة بعد ذلك للمحاججة...ذاك أن الحديث يجري عن شهيدة قدمت روحها من أجل الحرية ( اعذروني على هذه الجملة المعترضة:  فأنا أكتب وأنا أشعر بالخجل الشديد منها. أشعر بالعار, فدمها كان واحدا من الاستحقاقات التي دفعت ثمنا لفرحنا بالنصر. الفرح الذي يعتصم الإسلاميون للتعبير عنه! ) 
لكنني مع ذلك أقول, أن صورة سالي, الجميلة, التي لم يرق - ربما - للإسلاميين أنها لا تضع غطاء على رأسها ( وهو أفضل ما يمكنني افتراضه هنا لتبرير فعلتهم, مع أن الافتراضات الأخرى, المرعبة, قائمة لا تغيب عن البال) هي برأيي رسالة يجب على الإسلاميين أن يتأملوها جيدا...مثلما تأملها ووقف عندها العالم كله: إنها ثورة شباب حر, مؤدلج وغير مؤدلج, مسيحي ومسلم, رجال ونساء, شابات محجبات وغير محجبات. إنه مطلب الحرية للجميع, كي يعترف الجميع بالجميع, يقبل به ويحارب معه من أجل الأفق الأوسع للحرية السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية. 
أما الإسلاميين فعلى ما يبدو أن هذه الرسالة ستحتاج زمنا طويلا جدا كي تصلهم...أقول تصلهم , لأن استيعابها, حسب ظني, يقتضي وقتا آخر طويلا. فمفهوم المرأة في رؤيتهم للعالم, منحصر ومرتبط بالجنس, وظهور امرأة, أو ظهورها بلا غطاء على الرأس,  في صورة, حتى لو كانت صورة لفتاة استشهدت من أجل حريتهم هم, لا يثير في أنفسهم لا الاحترام والتقدير, ولا الامتنان والشكر, ولا الحزن والأسى على شبابها, بل وعلى ما يبدو يثير فقط غرائز يصعب عليهم أن يكونوا مسؤولين عنها وعن ضبطها, فلم يجدوا وسيلة للتعبير عن ذلك سوى بحذف صورتها. هذا معيب ومؤسف! 
أظن أنه عندما يصبح الاسلاميون قادرين على النظر للمرأة بعيون أخرى, وليس كموضوع للجنس وفقط,  ويرتقون إلى المعاني السامية للأخلاق, ويدركون أن المرأة ليست أفضل ولا أسوأ من الرجل, بل مثلها مثله: معنية بالهموم ذاتها وتخوض المعركة  نفسها على هذه الأرض - إن لم يتم حجبها قصرا -  ومستعدة لتقديم روحها في ساحة الميدان من أجل كرامة الجميع. حينها ستتحرر المرأة, وستمشي في الشارع وستمارس حياتها بأمان, دون حاجة لغطاء الرأس, لأنها لن تخشى من مواجهة كائنات شهوانية تحركها الغرائز المكبوتة, لا تلاحقها في حياتها وحسب بل وفي مماتها أيضا, حتى لو ماتت شهيدة.



تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة