تلفزيون نابلس
نهش حق العودة والقضاء على الأونروا.. كيف تخطط إسرائيل لنصرها الإستراتيجي؟
2/27/2024 9:31:00 AM
كتب سامي مشعشع/ المتحدث السابق باسم الأونوروا: الصورة اتّضحت الآن والكيانات الفلسطينية الدافنة رؤوسَها في رمال التمنّيات بأن ما يحصل "شدة وتزول" لم يدركوا بعدُ أن دولة الكيان تسير بخطى محمومة لتحقيق "نصر" إستراتيجي مؤزّر، سعت إليه لعقود خلت.

وبينما يبحث الكيان عن "صورة" نصر، ولو باهتة، في حرب الإبادة المسعورة على غزة، وبينما يحاول مراكمة حفنة من الانتصارات التكتيكية وتجييرها إعلاميًا في غياب واستعصاء القضاء على أي حسّ فلسطينيّ مقاوم، في الوقت ذاته كان يسعى، وبجهد مناظر، لتحقيق نصر بعيد المدى، وله تأثيرات وجودية وكارثية إن تحقق.

التهجير القسري للفلسطينيين هو هوس الكيان الرئيس، والتوطين الإجباري للاجئي فلسطين، هو الهدف الإستراتيجي المنشود. لن يخرج الكيان من غزة بما كان يَبْغاه، وأصبح يوظّف جهودًا استثنائية؛ كي يلتفّ حول فشله العسكري مكثفًا العمل على مآلات ما بعد الحرب.

الكيان بدأ بخطوات متسلسلة ومتدحرجة تجاه هدف نهش حق العودة، إن تعذر حاليًا القضاء التام عليه. والمفتاح بين يديه، هو وكالة الغوث الدولية "الأونروا".

لقد نجحوا في شيطنتها ونجحوا- ولو جزئيًا – في صرف أنظار البعض عن حرب الإبادة، وشغلوا إعلام وساسة الأعراب والأغراب بما فعله أو لم يفعله تسعة من موظفي الأونروا بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول، بالرغم من غياب أدلة دامغة (وحتى وكالة الاستخبارات الأميركية باتت الآن تشكك بصحة هذه الاتهامات).

واتهموا الوكالة بخرق الحيادية، وبمناهج تعزز الحقد والكراهية، ونجحوا في تعليق التبرعات المرصودة للوكالة وتبنّوا خطوات واضحة تهدف لغرضَين: طرد الأونروا من القدس، وضمان أن "لا دور" ولا حضور للأونروا فيما بعد حرب الإبادة على غزة، كما صرّح نتنياهو وجوقته.

واستتباعًا لأعلاه أتبعوها بخطوات تصبّ في نفس الاتجاه، شملت: جهودًا متواصلة لطرد الوكالة من مقرها الرئيس في الشيخ جراح بشرقي القدس، والمتواجدة فيه منذ 75 عامًا، ومنع دخول المئات من عاملي الأونروا الفلسطينيين من الوصول لمدارس وعيادات ومقر الرئاسة ومخيم شعفاط في القدس منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

 وأتبعوا ذلك بعدم تجديد أو تجديد مقنن وشهري لتأشيرات العاملين الدوليين بالأونروا في القدس وغزة، ترافق مع العمل على إلغاء امتيازات الإعفاء الضريبي والجمركي المعطى للأونروا، وتعليق شحن بضائع الأونروا إلى فلسطين وتجميد الحساب البنكي للأونروا في أحد البنوك الإسرائيلية.

وتواصل العمل على مشروع قانون لسحب امتيازات وحصانات الأونروا المنصوص عليها باتفاقية "كوماي مكليمور" الموقعة في العام 1967، وتواصل العمل على مشروع قانون (وارتكازًا للقانون الأساسي الذي ينصّ على أن القدس هي عاصمة الكيان الموحدة) يمنع أنشطة الأونروا وتواجدها في "الأراضي الإسرائيلية".

ومؤخرًا مطالبة "مصلحة أراضي إسرائيل" الأونروا بإخلاء معهد قلنديا للتدريب المهني والتقني والمقابل لمخيم قلنديا، ومطالبة الوكالة بدفع 4.5 ملايين دولار بدل إيجار، وبدل استخدام مرافق! وبالأمس قدّم رئيس وزراء الكيان خطته/ رؤيته لغزة ما بعد الحرب: لا دولة للفلسطينيين. لا وجود لسلطة فلسطينية بغزة إلا لروابط قرى ومخاتير، ولا وجود للأونروا.

هل وضحت الصورة إذن؟
الأخطر على حق العودة والأونروا هو مهام ودور وأهداف "فريق العمل المستقل" والذي أتخوف (بناءً على شواهد للجان حقّقت وقيّمت عمل الأونروا سابقًا، وأنيط بها مهام مشابهة بالسابق) من أنها ستسعى للمسّ بالوكالة وولايتها ورمزيّتها ودورها وحضورها داخل فلسطين، وفي الأردن، وسوريا، ولبنان، وبتوجّه إستراتيجي مشبوه يستهدف حق العودة عبر تركيع الأونروا داخل فلسطين، وإعادة تشكيلها وإناطة مهام توطينيّة لها في مناطق عملياتها خارج فلسطين.

هذا هو الهدف. هذا هو النصر الذين يسعون إليه.

أن يرأس الفريق "المستقل" وزيرة خارجية فرنسا سابقًا، فهذا له مدلولات سياسية فاقعة، وأن تتجنّد ثلاثة مراكز بحثية غربية – ثلاثة مراكز! – لمساعدتها في النظر "بالتزام الأونروا بالحيادية" من عدمه، وتلتقي مع الأمين العام وممثلي الدول والكيان وتنشط في "نشر باحثين لها في الشرق الأوسط "! فهو مشابه للدور المشبوه لمؤسسة فافو FAFO النرويجية بعد توقيع أوسلو. أكاد أجزم أن أهداف هذا الفريق بعيدة عن المهنية المزعومة والهدف المعلن.

الهدف – وفي الإعادة استفادة – هو الانتهاء من الأونروا في فلسطين، وتحويلها لمؤسسة إنمائية تنموية توطينيّة في سوريا، والأردن، ولبنان، وإغراقها بأموال عربية تحتاجها، ولا تحتاجها، لتحقيق هذا الهدف المنشود.

يخال لي بأننا كفلسطينيين خارج غزة أصبحنا "كالزومبي"، مخدرين مسلوبي الإرادة مصدومين نرى ما يحدث ولا تسعفنا أدبياتُنا بأن حق العودة مقدس، ولا تسعفنا بيانات قوانا السياسية بأنه خط أحمر بات مستباحًا، ولا تسعفنا صلواتنا ولا استخارتنا ولا عبارات استنكارنا وقلقنا وشجبنا بشيء.

نرى ما يحدث، ندرك أبعاد ما يحدث، وندرك أن الطرف الآخر يقترب من المسّ بأركاننا الثلاثة: القدس، والعودة، وتقرير المصير. طرد الوكالة من القدس هو ضربة موجعة للركن الأول، وسبقه ويتبعه السيطرة على المسجد الأقصى. وطرد الوكالة من غزة وإنهاء وجودها فيها، ومن ثم تحويلها لمؤسسة تنموية وإغاثية توطن لاجئي فلسطين في الأردن، وسوريا، ولبنان، وتهجر من تستطيع من الضفة للأردن، "وتوطن" من تبقى بالضفة، وتحول مخيماتنا بالضفة إلى مدن وتجمعات سكنية، هو نسف للركن الثاني فلسطينيًا، وعندها وبدون القدس، وبدون عودة لا مكان للركن الثالث، ألا وهو تقرير المصير.

كل ما نسمعه فلسطينيًا هو صمت يصمّ الآذان! لا جهات رسمية ولا دوائر ولا جهات شعبية أو جماهيرية ولا نقابات، ولا حتى نقابة عاملي الأونروا، ولا الجهد الدبلوماسي، ولا المؤسسات البحثية، ولا مؤسسات المجتمع المدني دقّت جرس الإنذار وناقوس الخطر، ولم تتعامل حتى اللحظة مع ما يتبلور وينفذ على أرض الواقع.

خطوات عاجلة (وهناك خطوات أخرى): المطلوب من دائرة شؤون اللاجئين التابعة لمنظمة التحرير أن تتصدّر المشهد، وأن:

تتابع من كثب أعمال "فريق العمل المستقل"؛ لأن تفويضه وأهدافه مقلقة. تطلق حملة دبلوماسية وإعلامية هدفها حماية الأونروا والدفاع عنها، ومحورها التأكد من عدم تغيير تفويضها وولايتها. تتابع إجراءات التحقيق الداخلي بحقّ الموظفين، وضرورة إرجاع الموظفين الذين لم تثبت عليهم التهم. تعمل على مقاضاة الكيان وجيشه لمقتل 158 موظفًا أمميًا فلسطينيًا، والمطالبة بالتعويض ومحاكمة قاتليهم. تتابع ملف تعويض الأونروا ماديًا من قبل الكيان للدمار الذي أصاب عشرات المنشآت ومعاقبة فاعليها.

تصدر ورقة موقف رسمية تبين موقف القيادة رسميًا من الهجوم على الأونروا وحق العودة. تعقد اجتماعات مع مؤسسات أكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني وفعاليات جماهيرية، وتفعيل دور اللجان الشعبية والاتحادات والنقابات وجماهير اللاجئين؛ للدفاع عن حق العودة والأونروا. تتأكد من عدم المسّ بالمنهاج الفلسطيني المعمول به بمدارس الوكالة في فلسطين تحت فزاعة "الحيادية"، والدفاع عن حق عاملي الأونروا في التعبير عن انتماءاتهم الوطنية وأن هذا لا يعتبر خرقًا للحيادية. يتم تشكيل فريق فلسطيني إعلامي وحقوقي مختص يفنّد الادعاءات المعلنة ضد الوكالة، بهدف تجهيز ملف شامل للأمم المتحدة، يوضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأونروا ومؤسسات الأمم المتحدة العاملة في فلسطين المحتلة، والمطالبة بتشكيل فريق أممي للتحقيق والمحاسبة.

هناك خطوات طُرحت من عديد الجهات تصبّ بذات الاتجاه.

السؤال الملحّ برسم الإجابة: متى سنتحرك بقوّة جارفة توازي الخطر الوجودي المحدق بنا؟!

 

تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة