تلفزيون نابلس
لماذا يقتلون؟
2/7/2016 3:30:00 PM

بقلم : عالية سويلم - لم اكن اعلم بحياتي اني سأشهد يوما يقتل فيه الشباب بهذه السرعه وبهذه القسوه, لم اكن اعلم ذلك السر الذي يكمن خلف مقتلهم في بلادي المحتله من قبل اسرائيل.ظننت للحظة ما انها تلك الاكذوبه اللتي يشهدها العالم حول ادعاء اسرائيل في محاولتها توفير الامن وسلامة الشعب اليهودي. أمضيت اوقات طويله افكر وافكر عن سر قتل هؤلاء الشباب في هذا السن الصغير والذي قد لا يبلغ العشرين عاما في بعض الاحيان او ربما يتجاوز ذلك ببعض سنين. بقي التساؤل يدهشني فاي جندي بالعالم  يستطيع ان يدافع عن نفسه في حال شعوره بالخطر من قبل فتى بمقدارذلك الخطر, فأغلب الفتيان الذين تم اغتيالهم واعدامهم,قتلو امجرد الاشتباه, و لم  يأخذو مهله للحياه او حتى الاعتقال, بل كان الرد على انتفاضتهم  بالتصويب  المباشر نحو الرأس والقلب . لكن السؤال الذي كان يدور بدماغي هو, حدثت عمليات اقوى من ذلك ولم يقتل منفذوها فورا كالاعدام المتسرع لهؤلاء الفتيه.  ما هو الهدف من قتل هؤلاء الفتيه بأعمار متقاربه واللتي كثرت في اواخر فصل الخريف للعام 2015؟ ما الذي ارعب الجيش الاسرائيلي من هؤلاء الفتيه حتى ان الامر وصل لقتلهم لمجرد الاشتباه.  حاولت الاافتراب من عقول هؤلاء الشباب ولو على سبيل الضحك والمغامره كي يصبح الامر اكثر وضوحا. ولقد كان في سلوك رفيقتي الصغيره سويرا بعضا من الاجابه حول سبب مقتل من هم من اقرانها من  الفتيه الفلسطنيون.

سويرا كانت تمثل تلك الفئه العمريه, لم تكن تعمل لكنها تدرس في احدى الجامعات الفلسطينيه, كنت انظر اليها مرارا وهي تهتم بكل تفاصيل اناقتها, ولم يكن يشغلها سوى ماذا سوف تلبس, ومتى ستنهي دراستها وتعمل, كنت اراقبها واتسائل, كيف قتل من هم في جيلها واغلبهم في عمر يبحث عن الحياه والسعاده وليس الموت. لذا رافقتها لارى ما تحب وتكره, ما تخاف منه وما تقدم عليه لعلي ارى سبب قتل من هم في مثل عمرها.

قالت لي سويرا يوما وفمها المرسوم يبتسم , انا لا اخاف المغامرات كثيرا, لكني عند الاحساس بالخطر يقترب, اتراجع وأتوقف. نظرت الى عينيها الضاحكه وحملت كلامها محمل الجد . ورغم كونها بالعشرين من عمرها, استشعرت بحكمتها ورغبتها بالعيش , فقررت مراافقها كي أعلم ما لا علم لي به, عن استهداف تلك الفئه العمريه الشابه,  المقبله على الحياه.

تلك الجميله  سويرا بعينيها الخضراء, وبشرتها اللتي تميل الى اللون الاسمر الفاتح, وقوامها الجميل, كانت تسر الناظرين رؤيتها سواء من كانو كبار او اطفال أو حتى النساء.  وكان جمالها يصبح اكثر وضوحا  اذا ما ابتسمت او ضحكت.تارة كنت انظر اليها بصمت, وتارة  ينتابني الفرح لجمالها واهتمامها الانيق بنفسها, وتارة اتسائل باستغراب, كيف لهذا العمر أن يكون له اعداء, كيف وجل اهتمامه الان هو البدء بالحياه. أوشكت أن ادرك أن سويرا على يقين بأن الحياة نعمه ونحتاج للحكمه والصبر والعمل كي نبقى احياء. ولكن التساؤلات عندي لم تتوقف ومن ضمنها ذلك السؤال الملح: هل هي فقط فتاة جميله ؟ أم انها قد تستطيع ان تجمع  بين العقل والجمال والحكمه ؟ كان يجيبني عن اسئلتي صوت خافت بداخلي, لا تتعجلي الاجابه, فأنت حديئة المعرفه بتلك الصبيه.

رافقت سويرا لاماكن عدة وأمضينا سويا اوقات ممتعه, ومع الكلام والتقائنا لاكثر من مره, ايقنت ان سويرا الجميله, قد يعتمد عليها. فهي غير متسرعه وتتروى الامور فبل ان تتصرف أو تتكلم بأي كلمه. وبيوم واثناء عودتنا لمدينة بيت لحم, اضطررنا للتوقف كي ننتظر الى ان يحين دورنا على نقطة التفتيش الاسرائيلي المقامه على مدخل قرية بتير, وكان ذلك بشهر اوكتوبر عام 2015 ,  والذي كان وما زال النزاع الفلسطيني الاسرائيلي فيه بأوجه, وكانت القدس بتلك الاونه اكثر الاوضاع تدهورا لما شهدته من عمليات طعن واستشهاد العديد من الفتيان., ولقد تفاقم الوضع والضغط بتلك الفتره بسبب اقتحام المسجد الاقصى العديد من المرات. وبلغت الغطرسه في جنود الاحتلال الى ضرب المصلين والمصليات, ومحاولة منعهم من الصلاه في المسجد الاقصى, ونتيجة ذلك السلوك العدواني, قام بعض الفتيه باستخدام سكاكين الطبخ وتقشير الفواكه او تقطيع اللحم, قامو باستخدامها في عمليات طعن ضد الجنود الاسرائلين كنوع من الدفاع عن النفس وحرية العباده. وسرعان ما تحول الامر الى هوس, واصبح كل فلسطيني يحمل سكينا بسبب او بدون معرض للقتل او الاعتقال . ولم يقتصر الامر على وجود سكين, فقد قتل العديد من الفتيان ايضا لمجرد الاشتباه بهم.

لذا ونحن ننتظر على الحاجز, سألتني سويرا بحذر, ماذا تحملين بداخل سيارتك ؟  فأجبتها بهدوء, ملح وبهارات , كانون لشوي اللحم, بعض الخضاروالفواكه, وسكين لتقشير الفواكه. رفعت حاجباها متسائله, ماذا؟ سكين لتقشير الفواكه, لماذا ؟  لماذا تحملين بسيارتك؟  اي نوع من السكاكين , الا تدركين  ان هذه السكين قد تؤدي لقتلي او قتلك, او ربما تؤدي لاعتقالنا نحن الاثنتين بلا رجعه.

جف ريقي من كلام سويرا الجميله, وتحسرها, وخوفها من حملي لسكينة تقشير الفواكه. لذا تناولت برتقاله من الكيس الذي يوجد بالمقعد الخلفي لسيارتي, لعلي اخفف من جفاف ريقي, لكن سويرا خطتفت البرتقاله مني, شاكية  استهتاري وعدم خوفي من قتلي بسبب تقشير برتقاله, وبعد خمس دقائق, ذهب عقل سويرا بقصر بتير الموجود على مدخل القرية قرب مدينة بيت لحم , فغافلتها واستغللت الفرصه وقشرت البرتقاله واكلتها.

فجأه انفك الحاجز المقام, ولم تفتش سيارتي, واخذت سويرا الجميله انفاسها, وانطلقنا من جديد نضحك وغنيت بصوتي المبحوح بعض الاغاني اللتي اضحكتها واطربتها, وابعدت شبح الخوف عن عينيها.

كان ذلك يوم احد, وتجولنا في اماكن كثيره كان اغلبها مغلق. كنت ارى اليأس في عيونها كلما ذهبنا لمكان ووجدناه مغلقا. فهي تود الضحك واللعب كالاطفال. ولا يشغلها هم هذه الدنيا, هي بمقتبل عمرها. ولكنا بعد ان امضينا يوما كاملا في محاولة الخروج من المدينة المغلقه والمحاطه بالحواجز العسكريه الاسرائيليه, قررنا بعد الخيبه والمحاولات الفاشله لايجاد مكان نجلس ونستمتع به, قررنا الرجوع للبيت عند الغروب.

كان بيت سويرا يقع عند الحاجز العسكري قرب قبة راحيل. وتلك النقطه اصبحت من اكثر النقاط مواجهه في مدينة بيت لحم. والمخيف في الامر, ان سلطات الاحتلال اعطت الاوامر لجنودها بقتل كل من تساورهم الشكوك نحوه من الفلسطنيين الذين يقتربون من الحواجز. وخصوصا ان عمليات عدة قام بها فتيان فلسطنيون بدهس جنود ومستوطنين بالقرب من الحواجز. وبناء على ذلك, قتلت امرأه بالخليل نتتجاوز السبعين عاما لمجرد الاشتباه بها وهي ذاهبة لتعبأة سيارتها بالوقود من احدى محطات البنزين بالخليل. وقتل طفل بالثانيه عشره من عمره قرب الحاجز المقام عند قبة راحيل ببيت لحم, وهو ويحمل شنطته المدرسيه على كتفيه, لمجرد انه لم يتم التركيز بينه وبين الشخص المستهدف حسب التفسير الاسرائيلي, اي ان قتل الفتى كان بالخطأ, وخطأ لا يدفع ثمنه احد سوا والدي الطفل العائد من مدرسته.

لذلك. كان ينتابني الخوف كلما اقتربت بسيارتي من نقطة التفتيش اللتي بالقرب من بيت سويرا, وفي ذلك اليوم الذي عدنا فيه عند الغروب. اقتربنا من نقطة التفتيش تلك كي نستطيع الدخول لبيت سويرا. الا ان سويرا لمحت العديد من الجنود عند مدخل بيتها, وقد خرجوا على غير عادتهم من البوابه الحديديه الضخمه اللتي تفصل الحاجز عن بيتهم.  فانتابني الخوف, وطلبت منها الرجوع لبيتنا القديم وسط البلد, خوفا من ان يتم اطلاق النار علينا بالعتمه لمجرد الاشتباه بنا. لكنها رفضت وأصرت علي بأن لا تراجع, وتلك هي اللحظه اللتي كنت انتظرها, لمعرفة لماذا يقتل هؤلاء الشباب, وكلما اقتربنا كان قلبي يهبط من شدة الخوف ومن صوت تلك الحجاره اللتي تصرخ تحت اطارات سيارتي, وبرغم كل المخاوف اللتي انتابتني, الا ان سويرا الجميله, كانت تدفعني وتحمسني على الاسراع وعدم الخوف,وللحظة ما كنت اود ان اطيعها واسرع, لكني كنت ادرك ما لم تدركه الصغيره, كنت ادرك بأن حياتنا رخيصه امام هؤلاء الجنود, وكنت ادرك اننا قد نقتل لاكذوبه قد يختلقها بعضهم لثواني حول سبب مقتلنا. وادركت ايضا ان عدم خوف سويرا من هؤلاء الجنود وعدم معرفتها كيف تتصرف هو سبب مقتل العديد من اقرانها, لذلك لم اصغي اليها , بل ومن شدة خوفي فقدت السمع لما تقول, وتملكني الذعر عندما رأيت جنديا يصوب بندقيته نحونا. لكن سويرا بفعل قوة قلبها في تلك اللحظات المرعبه تحولت الى شخص اخر, شخص يقبل على شجاعة الموت كما يقبل على فرح الحياه, بحيث,  لم تتوقف عن الكلام وحثي بالاسراع في كل لحظه,  الا ان صرخ احد الجنود بصوت مرتفع بأن نتوقف. هنالك سويرا توقفت عن الكلام تنظر ما سيفعل الجنود , واخذت تنظر اليهم بدون خوف , وشعرت لفتره أن من تجلس بجانبي هي لبؤة لا تعرف اي معنى للخوف. كنت قد اضعت تركيزي ما بين مراقبة سويرا والجنود  والذين كان هدفهم من ايقافنا هوضمان دخولهم  بشكل امن لثكنتهم العسكريه عبربوابه حديديه ضخمه.

بعد دخولهم البوابه بثواني, عادت  سويرا تحثني على الاسراع, وكأن شيئا لم يحدث, وفعليا لو اني سمعت كلامها, واسرعت بسيارتي كما طلبت لكنا انا وهي الان في عداد الاموات.

تلك الحادثه البسيطه اعطتني مؤشرا لماذا يقتل ويستهدف  هؤلاء الفتيه من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي . لقد ايقنت ان هؤلاء الفتيه المقبلون على الحياه بكل فرحها وحزنها, هم ايضا من يقبلون على الموت بكل مخاوفه وأشكاله , وذلك لان ضلوع صدورهم بهذا العمر الفتي تحمل قلبا يشبه بقوته وعدم خوفه قلب اسد, هم عند المحك, لا يخافون الموت كما لا يخافون الحياه. كما ان جل الامر لاستهدافهم واغتيالهم بهذه الاعمار الفتيه يعود الى اقتناع العدو الاسرائيلي ان لا شيء يردع هذه القوه الكامنه بداخل هؤلاء الفتيه سوى الموت .وذلك لادراكهم ان هؤلاء الفتيه عباره عن قنابل موقوته انشأؤوها هم,لا احد غيرهم عن طريق الحبس والحواجز والحشر والقتل والاهانه. لذا فهم يعلمون ان بداخل كل فتى أو فتاة فلسطينيه, قلب يتفجر, ولا رادع لهؤلاء الفتيه الابرياء سوى قتلهم والخلاص منهم. وبالاضافه الى ذلك نقطه اخرى مهمه وهي أن العديد من هؤلاء الفتيه لا توجد بحياتهم مطامع او انتماءات سياسيه, لذا,فالخطر القادم منهم ليس من صلابة قلوبهم نحو الحياة او الموت فحسب, بل لان لا فصيل يربطهم او يمكن الرجوع اليه كمرجع قد يساعد بالضغط عليهم لمعرفة خططهم أواهدافهم . لذا فان الاحتلال يحاول ردعهم بكل ما اوتي من قوة لان لا مجال للوصول الى عقولهم بشكل فردي لمعرفة ماذا يدبرون.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة