تلفزيون نابلس
قرار هدم "سينما العاصي" يثير جدًلا في نابلس
2/4/2016 9:50:00 PM

 يواظب منير عكوبة (62 عاما) على الجلوس يوميا أمام مبنى سينما "العاصي" وسط مدينة نابلس، مستحضرًا ذكريات "الزمن الجميل" المحفورة في وجدانه بحكم عمله في ذات السينما لأكثر من أربعة عقود.

ويراقب عكوبة، بعينين دامعتين، مهندسين وموظفين تابعين لبلدية نابلس، يدخلون ويخرجون لمبنى السينما، يأخذون القياسات ويدوّنون الملاحظات، استعدادًا لتسوية المبنى بالأرض، بعد أن اشترته البلدية من مالكيه، في المدينة، وتسعى لتحويله إلى مركز تجاري.

يتذكر عكوبة الذي تدرّج في العمل بالسينما، من بائع تذاكر إلى مفتش إلى مدير فعلي للسينما، كيف كان إقبال الناس من مختلف الفئات العمرية على حضور الأفلام العربية والهندية في الأيام الخوالي، وكيف كانت أيام الأعياد تتحول إلى ما يشبه المهرجانات، حيث يتدافع الناس لشراء التذاكر وحضور الافلام وسط أجواء من الفرح العارم.

جزء من الذاكرة

ويقول عكوبة بأنه يعشق هذا المكان إلى حد الجنون، وهو "لا يريد أن يُصدِّق بأنه سيتحول بعد عدة أيام إلى أثر بعد عين". ويتمنى لو أنه تم التعامل مع هذا المبنى بطريقة مختلفة تليق بأهميته التاريخية، وتدب الحياة فيه من جديد بدلًا من هدمه، خاصة وأن سينما العاصي جزء لا يتجزأ من ذاكرة أهل المدينة.

وتعد سينما العاصي التي افتتحت عام 1952، واحدة من ثلاث دور للسينما (العاصي، ريفولي، غرناطة) ظلت تعمل في مدينة نابلس حتى عام 1987، إذ اضطرت خلال الانتفاضة الأولى إلى إغلاق أبوابها إلى غير رجعة. وتحولت كل من سينما "غرناطة" و"ريفولي" إلى محلات تجارية، فيما تحولت "العاصي" إلى صالة للمناسبات الثقافية والاجتماعية، وأصبحت ساحتها الأمامية موقفًا خصوصيًا بالأجرة للسيارات، وظلت كذلك حتى يومنا هذا.

جدل حول القرار

وأثار قرار هدم السينما لإنشاء مشروع تجاري مكانه، حالة من الجدل في المدينة، فهناك المؤيد والمعارض، بين من يتحدث عن أهمية الحفاظ على الشواهد التاريخية والثقافية القديمة في المدينة، وبين من يرى أن الحياة تتطور، والبلد تتوسع وهي بحاجة إلى المواقف والمطاعم والمتاجر والمشاريع الاقتصادية، وأن التغني بالماضي لا يطعم خبزًا.

الهدم خلال أيام

وأكد مهندس بلدية نابلس عزام قصراوي لـ "القدس" دوت كوم، أن "الحديث عن هدم المبنى جدِّي، وسيُنجَز في غضون بضعة أيام، بعد أن آلت ملكيته للبلدية".

وأضاف بأن "قرار هدم أي مبنى قديم في نابلس لا يتخذ عشوائيًا، ولا بد من مصادقة وزارة السياحة والأثار عليه، وهذا ما تم بالفعل بخصوص مبنى السينما، حيث تم مخاطبة الوزارة، ولا اعتراض لديها على الموضوع، كما أن المجلس الاستشاري للبلدية الذي يضم خبراء ومهندسين في التخطيط الحضري قد صادقوا أيضًا على قرار الهدم.

وأوضح مهندس البلدية أن "المبنى بحد ذاته ليس له أي قيمة معمارية أو أثرية، وأهميته أنه مرتبط فقط بذاكرة الناس أيام كان لدور السينما دور هام في حياة الناس.

وأوضح أن المبنى أنشئ في خمسينات القرن الماضي، وخضع لإضافات على مراحل، وأجزاء من سقفه مغطاة بألواح "الاسبست" وهي مواد مسرطنة ووجودها خطر على الصحة والسلامة العامة، فضلًا عن أن الموقع تحول إلى ما يشبه المكرهة وسط المدينة.

وأضاف قصراوي بأن المرحلة الأولى ستشمل هدم المبنى وتحويله مؤقتًا إلى موقف للسيارات، وهناك عدة أفكار يتم دراستها حاليًا لاستثمار الموقع مستقبًلا.

منشأة متداعية

من ناحيته، قال مسؤول المراكز الثقافية في البلدية، زهير الدبعي، إن مبنى السينما تحول في الوقت الحاضر إلى منشأة متداعية وغير صالحة للاستخدام، ولم تعد لها نفس الرسالة والمكانة السابقة، وإمكانية دب الحياة فيها كما كانت سابقًا أمر غير وارد. مضيفًا بأن قرار البلدية هدم المبنى هو لغايات اقتصادية وتجارية، حيث سيتم إنشاء عقارات مكانه من شأنها أن تدر دخلاً على البلدية، يساعدها في التخلص من أزمتها المالية وبالتالي تقديم خدمات أفضل للمواطنين.

وإن كان هذا التوضيح من البلدية مقنعًا لجزء من الناس، فإنه لا يبدو كذلك لآخرين، وتعليقاتهم تشي بأن البلدية ترتكب خطأً كبيرًا إذا ما نفّذت الهدم.

معترضون

وفي هذا الإطار يقول الإعلامي عميد دويكات بأن "سينما العاصي أحد أهم الشواهد الثقافية في نابلس، حيث أنشئت في العام عام 1952، وهناك جيل كامل له ذكريات في هذا المبنى الذي استمر في عرض أفلامة منذ افتتاحه وحتى انتفاضة الحجارة عام 1987 . ويضيف دويكات "يبدو أن المشهد التجاري ورأس المال بات يطغى على كل شيء، حيث بدأ يِذيب ويغيّب المشهد الثقافي والعلمي، والخشية من أن يذيب ويغيّب المشهد التراثي والحضاري والتاريخ العريق".

بدوره، يرى سليم سويدان أن تحويل البناء إلى مركز تجاري من شأنه أن يساهم في تفاقم أزمة المرور والاكتظاظ وسط المدينة، ويقترح أن يتم تحويله إلى مركز ثقافي (قصر نابلس الثقافي مثلاً) أو متحف للمدينة، لافتًا إلى أن معظم بلديات العالم لديها مسارح أو مراكز ثقافية لخدمة المجتمع المحلي.

ويقول الطبيب أحمد عبد العزيز، بأن هدم دار سينما تشكل رمزًا ثقافيا وتحويلها إلى "مول" تجاري مؤشر على التراجع الفكري والحضاري في البلد.

بدورها، ترى المواطنة إيمان الخواجا، بأنها ضد الهدم، موضحة أن لهذه السينما تاريخ وذكريات، وهي جزء من التراث الآخذ بالاندثار، مذكرة بأنه جرى في نابلس قبل فترة وجيزة أيضًا هدم مبنى المطحنة التاريخي الذي يعد من الرموز التاريخية في نابلس

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة