تلفزيون نابلس
جنين رام الله وبالعكس: 3 أماكن ريحتها طالعة!
8/26/2015 10:37:00 PM

تحقيق : رحمة حجة- الشمس تشرق على مهل، وندى الصباح يُنبئ بنهار حار، بينما النسيم البارد يتخلل كُم قميصي حتى يُنعش كامل الجسد، حين أمدّ يدي اليمنى من نافذة السيارة التي تُقلّني من عرابة (جنوب غرب جنين) إلى رام الله.. إلى الآن يبدو المشهد خلّابًا وشاعريًا! لكن ماذا حين نَصل "محطة عرابة"؟ لا يسعني حينها إلا الاكتفاء بالزفير دون الشهيق.. هل أحتمِل؟

مسافة الرائحة تبدأ من "المحطة" وربما قبلها –وفق درجة الحرارة واتجاه الهواء- حتى قرية عنزة تقريبًا، وكلّما اقتربنا من مكب النفايات وهو مصدر الرائحة العفنة المُحمّضة، أصبحت الرائحة جزءًا من أنفاسنا حتى أنها تتسرّبُ إلى ملابسنا.. نُغلق النوافذ، لكن هذا ليس الحل؛ لقد دخلت الرائحة وانتهى الأمر!

"زهرة الفنجان"

لَفظُ هذا الاسم يكفي دائمًا لإثارة ضحك أي شخص يعرف أنه عنوان مكب النفايات في محافظة جنين، الذي يستوعب نفايات أكثر من مليون شخص "مُستفيد" في محافظات: جنين، طوباس، نابلس، قلقيلية، طولكرم، وفق ما ورد في موقعه الإلكتروني. لكن تأكيدات من عديد المواطنين تفيدُ بأنه "يستقبل شاحنات نفايات من محافظات أخرى ومن أراضي48".

وحسب تعريف مجلس إدارة المكب أيضًا، فإنه يقع في "منطقة زهرة الفنجان (وادي علي) بين عجة وعرابة،17 كم جنوب مدينة جنين، 25 كم غرب طوباس، 24 كم شمال نابلس، 24 كم شرق طولكرم، 50 كم شمال قلقيلية"، أما بالنسبة لقرى "المنصورة، عنزة، وادي دعوق، فحمة الجديدة (مخيم فحمة)" فهي غير مذكورة بخريطة المكب.

بينما يُقفل سكان هذه المناطق نوافذ بيوتهم، خاصة في ساعات المساء والصباح الباكر واشتعال شمس الظهيرة، أي في ذروة تفشّي الرائحة الكريهة، كما أنهم محرومون من استنشاق الهواء النقيّ، ناهيك عن أن عشرات المواطنين من سكان بلدة عرابة يشتكون من هذه الرائحة، وغير ذلك، يشتكي المشتكون في نقاشاتهم اليومية داخل المركبات العمومية أو في جلساتهم وسهراتهم، من أنواع الحشرات الغريبة وحجم "الذباب" الذي بات يُزعج السكان ويُسبب لهم الأذى.

في بداية إقامة المكب، قبل نحو 6 سنوات، أتذكر أنني أعددتُ تقريرًا صحافيًا لمساق جامعي، تحدثت من خلاله مع مواطنين في "مخيم فحمة" أبدوا امتعاضهم واحتجاجهم على المكب الذي يقع في منطقة سكنية، وحين زرته بنفسي، كان الإداري الذي قابلني فخورًا به إذ يُعتبرُ "إنجازًا وطنيًا" يُتوقع منه أن يُحرك عجلة الاقتصاد الواقفة بعد 15 عامًا على عمله، عن طريق "استخراج الغاز الطبيعي" من تحلل النفايات في الطبقات التي تُدفَنُ فيها. وإلى اليوم ما زال التصفيقُ للإنجاز أكبر من الاهتمام في دراسة أضراره على السكان.

الحديث بين الناس، ويبقى على ذمتّهم، أن "الرائحة الكريهة تتصاعد بسبب عدم استخدام مواد خاصة لتثبيطها، ولا تظهر إلا عند زيارة مسؤول للمكب"، أما الشيء الثاني الذي يتداولونه، فهو أن "إدارة المكب تحتوي الاحتجاج والاعتراض من القرى والبلدات المجاورة عبر توظيف عدد من سكانها فيه أو التبرع بأشجار أو سلال نفايات لها، وينتهي الأمر".

حديثًا، زُرعت كل الأراضي المجاورة للمكب بالتبغ، "يا حبيبي!".. إنه تبغ بنكهة النفايات، وربما رائحته تكون مميزة، وقد يُصبح في ما بعد ماركة مسجلة اسمها "توباكو الفنجان". كل الاحتمالات واردة!

ملاحم سيلة الظهر

كيف تعرف أنك وصلتَ إلى بلدة سيلة الظهر (جنوب جنين)؟ ببساطة حين تشتم رائحة بقايا لحوم للأغنام والبقر! إذ لا تلبث المركبة دخولها، حتى تلتقط أنفاسك الرائحة النتنة من ملاحمها المتوزعة يُمنةً ويُسرى، إذ يتم ذبح الماشية فيها، كغالبية الملاحم في بلداتنا وقرانا، حيث لم تتطور لدينا بعد ثقافة المسالخ.

لكن الأمر أسوأ بالنسبة لسيلة الظهر، أن تلك الملاحم واقعة في الشارع الرئيس، الذي تمر منه جميع المركبات بين جنين والمحافظات الأخرى. إذًا، أنتَ مضطر هنا أيضًا لكتم نفَسك، كي لا تختنق بالرائحة!

ووفق المادة (3) من قانون المسالخ في منطقة الهيئة المحلية لعام 2010: " يتوجب على كل هيئة محلية يزيد عدد سكانها عن عشرة الاف نسمة أن تنشئ مسلخا عموميا أو أكثر طبقا للمواصفات التي توافق عليها وزارة الصحة ودائرة البيطرة، على أنه يجوز إنشاء مسلخ مشترك لأكثر من هيئة محلية متجاورة".

وحين تفحص مواد هذا القانون تشعر أنك في سويسرا -على افتراض أن سويسرا بلد الرفاه والنظام- لكن كيف تكون كذلك وأنت تشاهد يوميًا الأغنام والأبقار والحبش في الملاحم تُذبَح على بابها في قرانا، وتتدلى رؤوسها "المزينة" بالبقدونس على بواباتها وأحيانًا تكون ملقاة على الأرض إلى جانب بركة من الدم بانتظار الزبون؟!

"مجاري" الجلزون

في مقابلة مع "تلفزيون وطن" بتاريخ 30/6/2014، قال "القائم بأعمال مدير الإدارة العامة للتخطيط في سلطة المياه عادل ياسين، إن مشكلة المياه العادمة والتلوث في عين سينيا وجفنا، سيتم حلّها خلال الشهور الثلاثة القادمة عبر مشروع بقيمة مليون و400 ألف شيقل"، وإلى اليوم يبدو أن الثلاثة شهور لم تنته!

فالمياه العادمة التي تجري كنهر شمال رام الله، من مخيم الجلزون مرورًا بعين سينيا حتى بلدة جفنا، لا تزال تؤرق السكان المتضررين منها، كما تزعج برائحتها المسافرين في المركبات الخاصة والعامة متنقلين بين رام الله وشمال الضفة. ويُلفت النظر وجود بدو يقطنون بجانب هذا "النهر" إضافة إلى مواطنين يزرعون ويرعون الماشية هناك.

ووفق تقارير صحفية، تعود إلى أعوام سابقة، من الواضح أن مشكلة هذه المنطقة ممتدة منذ نحو 17 عامًا، كما وُصفت المشكلة بـ"الكارثة البيئية"، ويتذمّرُ منها الجميع في محيطها، فمنهم من يشتكي بسببها الأمراض وأنواع الحشرات الضارة ومنهم من أغلق شرفة بيته وحُرمَ من الجلسات العائلية في "البرَندات" اتقاءَ الرائحة، وآخر تسرّبت المياه العادمة إلى بيته كما فاضت داخل بعض المُنشآت الخدمية.

المصدر: الحياة الجديدة


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة