تلفزيون نابلس
الناس لا يقرؤون؟! ولكنهم لا يتقنون لغة القراءة بقلم ناجح شاهين
12/15/2014 10:20:00 AM

 الناس لا يقرؤون؟! ولكنهم لا يتقنون لغة القراءة

إلى نسرين  المشاكسة، ومن يدقون الناقوس

ناجح شاهين

عبد الجليل ناظم من دار توبقال المغربية للنشر قدم تفسيراً مدهشاً لظاهرة انحسار القراءة في المجتمع العربي: العرب لا يتقنون مهارات القراءة. بل إن العرب في غالبيتهم بحسب الرجل لا يعرفون أية لغة من لغات الكتابة والقراءة، لا العربية ولا الفرنسية –الشائعة في شمال أفريقيا- ولا الإنجليزية. الناس لا يتقنون في البلاد العربية إلا "لغة" واحدة هي عاميتهم المحلية. ولكن هذه العامية بالطبع لا تستخدم في النشر إلا في مجال ضيق هو الشعر الشعبي العامي. ومن هنا فإن الشرط الضروري الأول لإمكان وجود قارئ افتراضي غائب، لأن الأساس أن يتقن الناس لغة ما بغرض أن يتوجهوا إلى القراءة فيها، أما إذا كان الشخص أمياً، فإن من نافلة القول أن لا يقرأ حتى لو سمع عن كتاب أو موضوع وأثار فضوله أو رغبته للمزيد من المعرفة.

تشير تقارير اليونسكو الحديثة إلى أن التعليم في البلاد العربية يقتصر على التلقين والحفظ، ويخضع –وقد أدهشنا أن تقول اليونسكو ذلك- لهيمنة الثقافة الغربية مما يؤدي إلى تدهور العربية وثقافتها، ويتسم ذلك التعليم بالشكلانية، وعدم الفاعلية. كما تشير تلك التقارير إلى أرقام مريعة أصبح معظمنا متعوداً عليها: يقوم ثمانون مواطناً عربياً بقراءة كتاب واحد في العام، بينما يقوم الفرد "الإسرائيلي" الواحد بقراءة ثمانية وثلاثين كتاباً. أي أن هذا الأخير يقرأ ثلاثة آلاف ضعفاً لما يقرأه نظيره العربي. لا نرغب في سرد الأرقام إذ أنها لا تفيد كثيراً في فهم الأشياء، لكننا نود أن نقول بسرعة إن البريطاني يقرأ أكثر من "الإسرائيلي"، بينما الياباني يقرأ أكثر من البريطاني. يظهر أن الكتاب العربي يطبع ألف نسخة أو ألفين، وفي أحسن الأحوال خمسة آلاف، بينما يطبع الكتاب في بلاد أخرى خمسين ألفاً على الأقل.  وهكذا يتضح أننا نعيش وضعاً لا يشبه أحداً من حيث علاقتنا بالكتاب والقراءة والنشر. كما يبدو جلياً أن المؤلف لا يمكن أن يعيش من "مهنة" الكتابة أبداً. ولعل هذا ما يفسر أن يقوم مبدعون من الصف الكوني الأول من قبيل محمود درويش أو محمد مهدي الجواهري بالحصول على قوت يومهم من مدخل السياسية بشكل أو بآخر: ألم يضطر الجواهري في شيخوخته إلى مدح ملك الأردن الراحل حسين؟ وقد يهبط مبدعون لا يجود الزمان بأمثالهم إلا قليلاً من قبيل عبد الوهاب البياتي إلى مستوى الفقر المدقع وصولاً إلى قيام أصدقائهم بمساعدتهم بثمن طبق الحمص أو ثمن زجاجة الشراب.

لسنا في صدد البحث عن سبل لحل معضلة عدم القراءة التي تقف سداً منيعاً في وجه أي أمل عربي في الإقلاع ما دام القارئ في مستوى الإمكان لا وجود له. إذ لا بد أولاً من إيجاد ذلك القارئ عن طريق وضع الأسس التعليمية التربوية القمينة بتمكين العربي من إتقان القراءة في لغته الفصيحة مع الانتهاء من المرحلة الثانوية. وجدنا في دراسة خصصت لتفكير الأهالي في رام الله بخصوص التعليم ودورهم فيه، أن معظمهم يستعمل كلمة "شرح" الدرس للطفل لتعني "ترجمة" النص من اللغة الفصيحة إلى اللغة العامية، وهذا يعني ببساطة أن الطفل الفلسطيني –ولا بد أن العربي مثله- لا يصل إلى مستوى استدخال الفصيحة وصولاً إلى درجة أن تكون أداة التواصل المعرفي-العلمي والاجتماعي الطبيعية، بل تظل عقبة لا بد من تذليلها تقف حاجزاً بينه وبين الفهم والتفكير والإبداع.

كنا في مناسبات سابقة قد وجهنا النداء إلى ضرورة الاهتمام بتدريس العربية الفصيحة وصولاً إلى إتقانها بمقدار اللغة الأم، أو ما يقترب من مستوى اللغة الأم. وقد أشرنا في حينه (في مقالة بعنوان: أنقذوا التعليم، أوقفوا تعليم الإنجليزية) إلى أن ذلك لا يتحقق إلا بتطوير سبل تدريس العربية مع إبعاد المنافسة غير المجدية التي تمثلها اللغات الأجنبية إن كانت الإنجليزية أم الفرنسية. ونعود اليوم إلى الفكرة ذاتها: إذا كان لنا أن نحصل على قارئ عربي في الإمكان، فلا بد أولاً من إيجاد العربي القادر على القراءة والكتابة في اللغة الفصيحة، وإذا لم نفعل ذلك يصبح كلامنا كله حول تفعيل القراءة والتفكير والعلم مضيعة للوقت، أو لغواً باطلاً لا فائدة ترجى منه.

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة