تلفزيون نابلس
محمد صيام يعود شهيداً
11/25/2014 10:01:00 AM

 'تركيا حلوة وبحب الشاورما فيها بس بكرة المطر.. واشتقت كثير لغزة' هكذا روى محمد صيام (14 عاما) من رفح، شعوره من سريره في مستشفى تيبيسيك في مدينة أزمير التركية، بعد تركيب طرف اصطناعي لساقه اليمنى المبتورة، دون أن يدرك أنه لن يرى تركيا مرة أخرى، ولن يأكل 'الشاورما'، وسيعود لغزة التي اشتاقها، لكن شهيداً.

في 21 تموز/ يوليو 2014 وقعت المجزرة. في السادسة والنصف صباحاً قصفت طائرة استطلاع إسرائيلية بيت عائلة صيام بصاروخ واحد، ثم تبعته بقذائف الدبابات، في منطقة 'الصيامات' برفح، استشهد 12 فردا من عائلة صيام وأصيب عشرون آخرين كان من بينهم محمد، الذي أصيب بجروح خطرة تطلبت نقله إلى مستشفى مار يوسف (الفرنسي) في القدس المحتلة بعد يومين من إصابته، ليمضي هناك 60 يوما قبل أن يتم نقله مرةً أخرى إلى مستشفى 'تيبيسيك' في مدينة أزمير التركية.

الناشط المقدسي طارق البكري، ومنذ بدء نقل جرحى العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، دأب على زيارة مستشفيات القدس التي يصلها المصابون، مواسياً ومحاولا خلق جو من المرح وبشكل خاص للأطفال.

تحدث البكري عن اللحظات التي أمضاها مع صيام قائلا: تخيّل ساقه مدفونة بالقدس.. روحه سافرت ألماً لتركيا.. وباقي جسده ينتظر الدفن في غزة! وعدته بالصلاة سوية في المسجد الأقصى بعد تركيب الساق الاصطناعية، ولم أفِ بوعدي لتدهور وضعه الصحي.

وأضاف البكري: كان محمد سعيداً لأنه في القدس، وحلم بالصلاة في الأقصى بعد تركيب ساقه الاصطناعية في تركيا، ووعدني بأن أول عمل سيقوم به حين يعود لغزة هو الانحناء وتقبيل يد أمه.

يتابع البكري بغصة شديدة، عن حوارات دارت بينه وبين محمد: كان كلما أراد الحصول على شيء يقول لي: طارق بتحب الله؟ أجيبه: أكيد أحبه، ثم يطلب مني تلبية غرضه. والمرة الوحيدة التي شعرت أنه أصيب بالعصبية من تعاملي معه حين ناديته تحببا: حمّود، وكان رده: لا تناديني حمود أمام الناس، أنا كبرت وصار عمري 14 سنة.

أبو ميسرة جدّ محمد لأمه، الشخص الوحيد الذي سمح له أن يكون مرافقا له في رحلة علاجه، قال إنهم حفروا لمحمد قبره منذ اليوم الأول لإصابته، وشعر وهو يقف على معبر بيت حانون 'ايريز' أن محمد لن يصل إلى المستشفى بالقدس حيا.

وقال أبو ميسرة: لم يكن مسموحاً لي بمغادرة المستشفى، إلا أنني غامرت مرة ووصلت المسجد الأقصى وصليت هناك، وفي طريق عودتي اشتريت حذاء لمحمد لأقول له: ستعود طبيعيا، تمشي وتركض وتلعب. تفاجأ محمد من هديتي، وضحك، ثم أخذ يقيس الحذاء على قدمه اليسرى (السليمة) ورمى فردة الحذاء الثانية قائلا:

لستُ حزينا لأن لا مكان لأضعها فيه، ولأني بلا قدم يمنى، فقد سبقتني إلى الجنة، و'نيالها' مدفونة في القدس.

يوسف الأسطل (16 عاما) من غزة، جريح آخر من جرحى العدوان وابن شهيد، رفيق محمد في الغرفة، شظية دخلت من ظهره، واضطر الأطباء لاستئصال جزء من طحاله، وإجراء عدة عمليات له، دخل عليهما طبيب مختص طالباً من يوسف المشي والحركة داخل الغرفة لأن جسمه يتطلب ذلك، بينما كان يوسف كسولا بعض الشيء ويحب النوم، فقال له محمد: لو أني مكانك لجريت بكل المستشفى وليس داخل الغرفة فقط.

استشهد محمد صيام في مستشفى تيبيسيك التركي يوم الثلاثاء الثامن عشر من الشهر الجاري، متأثرا بجروحه التي أصيب بها قبل أربعة شهور، بعد صعوبات في التنفس كان يعاني منها قبل نقله من مستشفى مار يوسف.

لم يجرِ محمد داخل مستشفى مار يوسف كما وعد رفيقه المصاب الأسطل، ولن يصلي بالأقصى، ولن يقبّل يد أمه، ولن يكبر بعد وصوله عامه الرابع عشر، ولن يطلب من أحد بعد الآن أن يأخذه لباب العامود ليشتري بنفسه كعك القدس.

لن يمارس محمد صيام بعد الآن الرسم، هوايته المفضلة، لن يرسم ما كان يحب، بيوتا جميلة وورد، وطرقا ترابية محاطة بالسرو والصنوبر.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة