بقــلم: د. حنا عيسى – استاذ القانون الدولي
نعم ، لان الدولة ملزمة إلزاما اكيدا لا يرقى اليه شك بالتقيد بأعراف وقوانين الحرب .. ففي الماضي لم يكون المقبول مساءلة الدولة عن خطا اقترفه احد العاملين تحت سلطتها على أساس إن ذلك يتعارض مع مبدأ (السيادة) الذي كان يعترف به الدولة بشكل مطلق.
وبعد التقيدات التي عرفتها نظرية السيادة المطلقة في القرن الماضي أقرت اتفاقيه لاهاي لعام 1899م مبدأ مسؤولية الدولة أدبيا فقط عن التقيد بأعراف وقوانين الحرب ثم اصبحت هذه المسؤولية مسؤولية قانونية كاملة في اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907م . وبهذا تكون اتفاقيات 1907م قد حققت تقدما ملحوظا ومحمودا عن اتفاقيات 1899م، حيث أحلت التزاما حقوقيا محل الالتزام الأدبي وفرضت مؤيدات لخرق أحكامها او عدم مراعاتها.
وبالفعل فقد نصت المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي لعام 1907م ، الخاصة بقوانين واعراف الحرب البرية على ان السلطة المتحاربة التي تخالف نصوص هذه اللائحة المرفقة بالاتفاقية تلزم بالتعويض اذا كان هناك محل له ، وتكون مسؤولة عن جميع الاعمال المفترقة من قبل الأشخاص التابعين لقواتها المسلحة.
وان عبارة "إذا كان هناك محل له” الواردة في نص هذه المادة قصد منها ان يكون هناك ضرر قد لحق بشخص محمي ما نتيحة لخرق قاعدة من قواعد الاتفاقية فإذا لم ينجم أي ضرر عن المخالفة - وهذا مستبعد تماما - لا يترتب التعويض.
وبعد اتفاقية 1907م هذه نصت المادة 232 من معاهدة فيرساي لعام 1919م على مسؤولية الدولة التي تخالف قوانين الحرب والتزامها بالتعويض ، وعلى " ضوئها قامت المانيا بتعويض البلاد الاخرى نتيجة مخالتفتها لقانون الحرب . وكذلك نص ميثاق بريان كيلو ج سنة 1928م على قيام الدولة المخالفة بدفع تعويض عن جميع الأضرار التي يسببها خرق الميثاق من جانب الدول المنضمة إليه أو رعاياها ، وبهذا اصبح من الالتزامات القانونية الثابتة على المعتدي أن يعوض على ضحاياه الذين تضرروا من الاعتداء . الذي قام به ، كمان أصبح خرق أي قاعدة من قواعد وأعراف الحرب والاتفاقيات التي تتعلق بقوانين الحرب بشكل خطا دوليا يوجب التعويض.
ومعنى هذا أن أحكام ( المسؤلية الدولية ) تطبق في هذه الحال ، وتتمثل هذه المسؤولية بوجوب دفع تعويض للدول التي تضررت ، أو تضرر احد مواطنيها ، بفعل دولة اخرى.
وذلك مهما كان نوع هذا التعويض (التعويض العيني أو التعويض عن الضرر أو التعويض الأدبي).
وبما أن الدولة هي شخص معنوي لذا لا يعقل ان ان تقوم الدولة نفسها بارتكاب المخالفة أو العمل الضار الذي يستوجب التعويض وإنما يكفي لترتيب مسؤولية الدولة إن يكون القائم بالمخالفة او العمل الضار يعمل في خدمة هذه الدولة.
ومن الضروري ذكره أن اتفاقية جنيف لعام 1949م قد جاءت مفهوم أوسع من مفهوم المادة 3 من اتفاقية لاهاي الرابعة بخصوص ترتيب مسؤولية الدولة ، حيث لم يعد من الضروري أن يكون الفاعل عضوا في القوات المسلحة للدول لكي تترتب مسؤليتها عن أعماله ومخالفاته كمان كانت الحال في اتفاقية لاهاي ، وإنما يكفي لذلك أن يعمل لمصلحة هذه الدولة كأن يكون عسكريا في جيشها أو موظفا مدنيا من الموظفين الملحقين بإدارة الحرب أو ادارة الاحتلال . وجنسية الفاعل لا دخل لها في هذا المجال ، وهذا مهم بشكل خاص في حالة البلاد المحتلة لأنة في هذه الحالة يمكن ان ترتيب مسؤولية سلطة الاحتلال عن عمل قام به موظف من أبناء الاقليم المحتل نفسة طالما أنة كان في ذلك يعمل في خدمة سلطة الاحتلال.
فإذا قام احد ابناء الاقليم المحتل بعمل مافيه خرق للاتفاقية فيجب التحقق مما إذا كان هذا العمل متصلا شكل ما بسلطة الاحتلال في الجزء الذي تمارسة من السيادة حيث تترتب عند ذلك مسؤولية هذه السلطة ، وإما إذا كان هذا العمل يقع ضمن النطاق الذي تمارسه السلطة ، وإما إذا كان هذا العمل يقع ضمن النطاق الذي تمارسه السلطات المحلية (البلدية ) بشكل مستقل فتنتفي مسؤلية سلطة الاحتلال.
كما أن كون الفاعل قد قام بعمله الذي خرق به الاتفاقية بناء على أمر من رئيس أعلى أو بمبادرته الشخصية لا يؤثر في ترتيب المسؤلية على الدولة أيضا طالما أنه قام بهذا العمل بصفته الرسمية وليس الشخصية.
تصميم وتطوير: ماسترويب 2016 |