تلفزيون نابلس
كيف تفكر حماس؟ قراءة ميدانية من الداخل
7/31/2014 4:35:00 PM

بقلم : عدنان أبوعامر - العربية نت

أخيراً، وصل العدوان الإسرائيلي على غزة إلى هدنة إنسانية برعاية دولية، بعد أن خاض الجيش الإسرائيلي وحماس وباقي الفصائل مواجهة عسكرية مفتوحة، لاسيما وقد بدأ الجانبان تصعيداً تدريجياً منذ عملية الخليل أواسط شهر حزيران يونيو، لكن اغتيال إسرائيل لستة من كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، في رفح جنوب غزة، أفسح المجال لاندلاع الحرب، وانطلق الجيش الإسرائيلي في عمليته العسكرية على غزة التي أسماها "الجرف الصامد".

 

حماس لم تتأخر بالرد على الهجوم الإسرائيلي، فأصدرت عدة بيانات، بعد ساعات من بدء الحرب، معتبرا أن حلقات الهجوم الإسرائيلي اكتملت باستدعاء الاحتياطي، وتهيئة جبهتها الداخلية، وفور اندلاع المواجهة، نشرت كتائب القسام عددا من الرسائل الإعلامية، أهمها شريط فيديو تصويري لصاروخ من تصنيعها، ومجموعة صور استعراضية لمسلح يحمل صواريخ، ومن خلفه نيران تشتعل، وكتب أسفلها باللغتين العربية والعبرية "كل المدن الإسرائيلية قريبة من غزة"، في إشارة أنها في مرمى صواريخ القسام.

 

كاتب السطور التقى قائداً عسكرياً ميدانياً من حماس بغزة، قبيل ساعات من اندلاع المواجهة، وأبلغه أن هذا الصاروخ، دون إيضاح حجمه ومداه، يعطي إشارة لما وصلت إليه كتائب القسام من درجة عالية من الاحتراف بمواجهتها للجيش الإسرائيلي، بحيث تكون قدراتها الصاروخية أكثر كثافة ودقة في الإصابة، فالإطلاق قد يكون بدفعات تصل 36 صاروخاً دفعة واحدة، ما يعني أنه لم يكن سراً أنّ حماس استغلت فترات الهدوء السابقة لتعجيل استعدادها للجولة الحالية، فهي حفرت أنفاق هجوم، وصنعت وسائل طيران غير مشغلة بشريّا، وأطالت مدى قذائفها الصاروخية.

وقد اتخذت كتائب القسام عدة إجراءات استعداداً لإمكانية أن تطول المواجهة مع إسرائيل هذه المرة، أهمها عدم كشف أماكن إطلاق الصواريخ المنطلقة من غزة تجاه البلدات الإسرائيلية، والإبقاء على راجمات الصواريخ المنتشرة تحت الأرض سرية، انتظارا للمواجهة القادمة، واختيار أوقات غير متوقعة في غياب الطائرات المحلقة، وتصميم راجمات وهمية فوق الأرض، لتضليل الطيران الإسرائيلي، وتغذية بنك أهدافه بمعلومات خاطئة، لاسيما وأن معظم الطيران الإسرائيلي المحلق بأجواء غزة منذ اندلاع الحرب يطلق بالونات حرارية للحيلولة دون استهدافها من مضادات الطيران التي تملكها القسام.

 

·        العملية البرية

 

كتائب القسام من جهتها، تبدو مستعدة لمثل هذا السيناريو الذي واجهته في حرب 2008، وأشارت كراسة تداولها قادة ميدانيون في القسام كيفية التعامل مع أي عملية برية، بالقول: "العملية البرية تمثل السيناريو الأكثر قسوة للقسام وإسرائيل، لأنها ستحصد أرواحاً بشرية كبيرة، لكن مقاتلي القسام وصلوا لمستوى من الاحتراف القتالي يجعلهم لا يذهبون مباشرة لمواجهة الجنود الإسرائيليين كما في الماضي، بل يجب إجراء قراءة سليمة لاتجاه عمليات العدو (إسرائيل)، وبالتوازي يتم إرسال خلايانا المسلحة للأمام، حيث الخطوط الخلفية للانتشار الإسرائيلي لتنفيذ عمليات هناك".

 

وأضافت الكراسة التي تداولها أعضاء القسام: "نقطة القوة لمقاتلي القسام إذا قررت إسرائيل الانتقال للعملية البرية تحول جنوده في شوارع غزة من صيادين إلى مصطادين، إلى بط في مرمى النيران، من خلال التخطيط المميز والإعداد والرصد المسبق، وتحديد نقاط الضعف بصفوف العدو، واستغلال عنصر المفاجأة الذي يربك الجنود، ويجعلهم يسقطون برصاص المهاجمين في معارك يثبت فيها المقاتلون أن لديهم قدرات عسكرية متفوقة".

مع العلم أن ما تمثله الأنفاق من نقطة قوة لمقاتلي حماس إذا دخلت إسرائيل إلى غزة بقوله، لأن هذه الأنفاق المنتشرة تحت كل شارع وزقاق في غزة يضيف أوراق قوة جديدة لكتائب القسام، وتعميق الأزمة العسكرية الإسرائيلية، وخلق مشكلات أمنية لا حصر لها أمام الجيش، مما سيفرض عليه تعديلاً في قواعد المواجهة مع حماس، وستتحول المشكلة المركزية أمام الجيش، ومما يرجح اعتماد حماس المتوقع على الأنفاق إذا قررت إسرائيل العملية البرية، وكل ذلك يقول أن حماس استعدت عسكرياً للمواجهة الدائرة حالياً مع إسرائيل، ووعدت بمفاجآت متلاحقة شهدها ميدان غزة أمام الجيش الإسرائيلي، مما يعني اتساع رقعة المواجهة كماً ونوعاً بين الجانبين.

 

وكما تخوفت إسرائيل، أعلنت حماس أسر أحد جنودها خلال الاشتباك مع قوة إسرائيلية بحي التفاح شرق غزة في اليوم الثاني من العملية البرية، وهو من لواء "غولاني" لنخبة الجيش الإسرائيلي، ورغم أن المعلومات الكاملة حول الجندي متوفرة عند كتائب القسام، لكن من الواضح أنه سيفتح صفحة جديدة في المواجهة الدائرة لصالح حماس، ويرفع من سقف مطالبها، وسيكشف عن تورط إسرائيل وحلفائها في العدوان الذي بدأته، مع صعوبة ربط موضوعه بشروط التهدئة الحالية، وإلا ستطول المواجهة، وسيكون توافق بين الأطراف على ترحيل موضوع الجندي لما بعد وقف هذه الحرب المجنونة.

لم يتأخر رد حماس طويلاً، فقالت إن الهجوم البري على غزة خطوة خطيرة وغير محسوبة العواقب، وسيدفع ثمنها الاحتلال غالياً، وحماس جاهزة للمواجهة، معتبرة أن العملية البرية تأتي لترميم معنويات الجنود الإسرائيليين وقيادتهم العسكرية المنهارة جراء ضربات المقاومة.

 

·        كمائن الأنفاق

 

حماس في عمومها لم تتوقع بالإجماع أن تشن إسرائيل العملية البرية، لكن معظمهم استبعدوا حدوثها، لأن نتنياهو شخصية مترددة، ويعلم أن الوصفة السحرية لسقوطه في الانتخابات القادمة أن يعود جنوده من أرض المعركة في غزة محمولين بتوابيت سوداء جثثاً مقتولة، وسبق للناطق العسكري باسم القسام أبو عبيدة أن هدد الجنود الإسرائيليين بأن غزوهم البري لغزة يعني أن خياراتهم محدودة إما: قتلى أو جرحى أو أسرى أو التسبب بإعاقة دائمة، ودأبت القنوات الفضائية والإذاعات المحلية التابعة لحماس على بث هذا التهديد في الأيام الأخيرة.

 

جاء تأني إسرائيل بالحرب برية، إدراكها لحجم الخسائر بصفوف الجيش، والخشية مما تخفيه المقاومة من مفاجآت مثل: كمائن الموت والاختطاف، وطبيعة غزة الجغرافية وكثافتها السكانية، ولأن المقاومة بغزة تجيد قتال الشوارع، وفنون الاختفاء والتمويه، وسرعة توجيه الضربات للخصم.

 

ومع ذلك فإن المخاوف الإسرائيلية لم تمنع مقاتلي حماس من الاستعداد للسيناريو البري، رغم اختلال موازين القوى العسكرية لصالح إسرائيل، فإن المقاومة ستستخدم لمواجهة العملية البرية الصواريخ الموجهة المضادة للدروع بكثافة، وبقدرات نوعية، خاصة وأن هاجس الجنود الإسرائيليين سيكون شبكات الأنفاق التي توفر حركة للمقاتلين وإعداد كمائن، بحيث تكون العبارة الأكثر تداولاً للجنود المتوغلين برياً "انظر تحت قدمك توجد حفرة"، ومع الاقتراب من الأماكن السكنية ستبرز وحدات القناصة للقسام، وسيواجه الجيش مئات العبوات والقنابل المموهة في كل ممر وطريق، وقد يتجنب دخول الطرق القائمة حالياً، ويعمد لشق طرق جديدة، وكلما تقدم أكثر داخل مناطق غزة السكنية، ستكون الأفضلية لمقاتلي حماس، لأنهم أصحاب الأرض، ويمكنهم رصد آليات الجيش الإسرائيلي.

 

ولذلك حاول الجيش الإسرائيلي فور توغله على مشارف غزة أن يوجد منطقة آمنة، لخشيته من منظومة الصواريخ المضادة للدبابات التي تمتلكها حماس، متوقعاً تركيز العملية البرية على مدرعات سريعة تدخل وتخرج بسرعة لتحقيق صورة تُرضي إسرائيل.

 

كتائب القسام أعلنت في بيانات لها أنها نفذت عمليات ميدانية لعرقلة التقدم البري نحو عمق غزة، باستدراج قوات إسرائيلية إلى كمائن محكمة، وحقول ألغام من عبوات برميلية، كما نجح مقاوموها بالتسلل عبر أحد الأنفاق خلف مواقع الجيش الإسرائيلي شرق رفح وخان يونس جنوب القطاع، ونجحوا بدخول تلك المناطق لاستطلاع أماكن تمركز القوات البرية، ونسف وتخريب منظومات الاستخبارات التي قام الجيش بنصبها مؤخرا لرصد الحدود.

 

دخلت إسرائيل العملية البرية في غزة، ولم يكن لديها معلومات أمنية كافية بما ينتظر جنودها، خاصة منظومات أسلحة مضادة للدروع مثل صاروخ "الكورنيت"، الذي تمتلكه حماس، وقذائف "آر بي جي" المضادة للدروع، بجانب وحدات القنص، تعتمد عليها في المواجهة البرية لقنص الجنود، فالفلسطينيون يقاتلون على أرضهم التي جهزوها جيداً، وتدربوا عليها منذ سنوات، ووجدت القوات الإسرائيلية مقاومة عنيفة من مقاتلي حماس، المتحصنين بمواقع حدودية حددوها سلفًا، وفق خطة ترمي لمباغتة الإسرائيليين في عمليات دفاعية وهجومية لإنزال الخسائر فيهم، في حرب استنزاف يصعب على الرأي العام الإسرائيلي احتمالها.

الأيام السبعة من العملية البرية الإسرائيلية في غزة أكدت أن كتائب القسام استفادت في تصديها للحملة البرية من الخبرة القتالية في الضفة خلال عملية السور الواقي عام 2002، باتباع تكتيك محترف لمواجهة عمليات الاجتياح، المعتمدة على نصب الكمائن للجيش، من خلال فتح ثغرات في البيوت الموجودة على مشارف غزة الحدودية، بحيث يكمن المقاتلون للجنود داخل البيوت، كي يفاجئوهم، وهناك طريقة مبتكرة تتمثل بتفخيخ مواسير وصنابير المياه، حيث يتم تفجيرها، وتكون عادة بمستوى رأس الجندي الإسرائيلي.

كما أن الطرق التي سلكتها الدبابات الإسرائيلية معروفة في مناطق عبسان وبني سهيلا في خانيونس، والبريج والمغازي وجحر الديك بالمنطقة الوسطى، والشجاعية بمحافظة غزة، وبيت حانون وبيت لاهيا شمال غزة، وهي مناطق ضيقة محدودة المعابر والمداخل، وهذا أفاد المقاومة للاستفادة من أهمية هذا المعطى الميداني لوضع خطة التصدي للتوغل البري، بتفخيخ المداخل، وزرعها بالعبوات الناسفة، ونشر مقاومين يحملون قذائف "آر بي جي" لإعاقة تقدم الآليات، وحصرها داخل مصيدة العبوات الناسفة.

الأيام الـ22 من العدوان الإسرائيلي على غزة أثبتت أن فصائل المقاومة في قطاع غزة قادرة على مفاجأة الاحتلال الإسرائيلي في غير موضع، وإيلامه من حيث لا يدري، سياسياً وعسكرياً وميدانياً، ولم تفلح مئات الغارات الجوية التي ألقت ما يربو عن 400 طن من المتفجرات على غزة في تحقيق أي من الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال هذه المواجهة الشرسة، وأبرزها توجيه ضربة عميقة لقدرات المقاومة الصاروخية، وعلى رأسها حركة حماس التي تُقود المعركة.

وفضلاً عن الصواريخ التي أمطرت بها المقاومة المدن والبلدات الفلسطينية المحتلة داخل إسرائيل، ووصل مداها لأكثر من 120 كم، خرج الاستشهاديون الفلسطينيون من قلب الأرض، وباطن البحر لمباغتة جنود الاحتلال، وفجّرت المقاومة معبر كرم أبو سالم شرق قطاع غزة، واشتبكت وحدات الكوماندوز التي تسللت عبر البحر إلى شمال قطاع غزة مع جنود الاحتلال في قاعدة "زيكيم" البحرية، وخلفوا قتلى وجرحى في صفوفهم.

كانت إسرائيل تعلم جيداً أن الإقدام على عملية برية في القطاع ليس نزهة صيف بالنسبة لجنودها الذين لا يُفضلون هذا الخيار المُر، وأن هذه العملية ستكلف الاحتلال خسائر سياسية وعسكرية ومادية وبشرية كثيرة، ولذلك عمدت إلى اجتياح بعض المناطق الحدودية في شمال وشرق وجنوب قطاع غزة بشكل محدود، في محاولة لاستعراض قوتها، وتهدئة الجبهة الإسرائيلية الداخلية، التي باتت في الملاجئ بفعل صواريخ المقاومة المتواصلة السقوط على رؤوسهم، وفي نفس الوقت فإن المقاومة تستعد لخيار الاجتياح البري للقطاع.

 

·        الوحل الغزاوي

التقدير الإسرائيلي لهذه العملية البرية باتجاه غزة التي وصفت بـ"المحدودة والموضعية"، بأنها قد تستمر بين أسبوع وثلاثة أسابيع، وقد تتوسع، حتى يتوقف إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، بحيث يغدو الحديث عن معركة ليست قصيرة، خاصة وأنها تتزامن مع تكثيف سلاح الطيران قصف الأهداف لإعداد الأرضية لإدخال قوات برية، وبالتالي باتت العملية البرية ليست سهلة، فالمعركة فيها ستكون فوق وتحت سطح الأرض.

ورغم التحفز الإسرائيلي للعملية البرية من قبل المستوى السياسي والأحزاب والرأي العام، لكن المستوى العسكري العملياتي، أبدى تحفظاً كبيراً في الذهاب إليها، لمعرفته اليقينية بوجود جملة مخاطر كثيرة على دخول الجيش إلى غزة برًا، ومن أهمها:

1-    أول المخاطر أن يتم استهداف الجنود عند اقترابهم من الأحياء السكنية بالقنابل والتفجيرات والعمليات الاستشهادية،

2-    ثاني المخاطر استهداف قوات المشاة التي لابد أن تتخذ لها في غزة حيزًا مكانيًا تتوقف فيه بشكل ثابت للتحقيق مع من يتم إلقاء القبض عليه،

3-    ثالث المخاطر تلغيم الأرض من قبل حماس بالقنابل والمتفجرات، وتفخيخ بعض المنازل، واستهداف الدبابات والناقلات بصواريخ مضادة قد تؤدي لخسائر في صفوف الجيش،

4-    رابع المخاطر كيفية التعامل مع المقاتلين الفلسطينيين، مع عدم ضمان سقوط ضحايا مدنيين، مما قد يثير ردود فعل واسعة ضد إسرائيل في المحافل الدولية والأمم المتحدة،

5-    خامس المخاطر أن إسرائيل تدخل المعركة البرية وهي ليست في أفضل وضع من الناحية الاستخبارية، ومعرفة ماذا يجري في غزة، خاصة تحت الأرض، ولا يوجد حتى الآن ما يدل على حصول تراجع في قوة حماس العسكرية.

ولذلك أوصت المحافل العسكرية أنه من أجل تدارك كل هذه المخاطر، أن تكون العملية سريعة ومحاطة بنيران كثيفة لمنع تعرض الجنود للخطر، والضغط بقوة على حماس للتراجع، والقبول بالتهدئة، لكن لم يكن سراً أن القيادة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، ترددت بشكل كبير باتخاذ قرار بشن عملية عسكرية برية، خاصة وأن عملية محدودة النطاق لن تحقق أية أهداف، بينما عملية برية واسعة ستكون محفوفة بمغامرات كبيرة.

مع العلم أن الرأي السائد في إسرائيل، أنه من دون شن عملية عسكرية برية واسعة في عمق قطاع غزة، فلن يكون بالإمكان الحديث عن وقف الصواريخ، ويبدو أن المعضلة التي واجهتها الحكومة الإسرائيلية لدى اتخاذها القرار بالذهاب نحو العملية البرية أنها تتركز حالياً في تحقيق أهداف منضبطة أكثر.

ولذلك بدأ الجيش الإسرائيلي يطالب الفلسطينيين في القطاع في الأحياء القريبة من الشريط الحدودي النزوح عن بيوتهم، وقصف هذه المناطق، بادعاء أن العملية هي إخلاء سكان لأغراض دفاعية، لكن هذه الخطوة التي تعود عليها الفلسطينيون في حملات برية سابقة في حربي 2008، 2012، لها هدفان:

1-    ردع الرأي العام الفلسطيني في غزة حيال النتائج المتوقعة لاستمرار إطلاق الصواريخ من حماس.

2-    ضرب المنظومة الدفاعية لحركة حماس مع الشروع بالعملية البرية.

ورغم حشد الجيش الإسرائيلي لقوات كبيرة، وبضمنها كميات من الدبابات، لكن الملاحظ أن إسرائيل ليست مسرعة للانتقال إلى المرحلة البرية الواسعة في عمق القطاع، وما زالت مقتصرة حتى كتابة هذه السطور على الأطراف النائية من حدود القطاع: الشرقية والشمالية والجنوبية.

 

ولذلك وضعت محافل التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي "بنك أهداف" للعملية البرية، وقدمتها للمستوى السياسي، الذي أخضعها للنقاشات المطولة خلال جلسات المجلس الوزاري المصغر للشئون الأمنية والسياسية "الكابينت"، وبلغت 27 جلسة بمعدل 160 ساعة تقريباً، منذ عملية خطف وقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل أواسط يونيو حزيران الماضي.

وحذرت أوساط الجيش الإسرائيلي والاستخبارات العسكرية المستوى السياسي من السعي إلى القيام بأي مغامرة، ما يعني أن قرار القيام بعملية برية في قطاع غزة لن يكون بهدف احتلاله، والقضاء على حماس، بل الاكتفاء بوضع أهداف متواضعة يمكن تحقيقها، من بينها:

1-    تقليص عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها باتجاه إسرائيل،

2-    ضرب منظومات إستراتيجية لحركة حماس يصعب استهدافها من الجو،

3-    العمل على إضعاف قوة حماس التي لم يظهر عليها التراجع طوال الأيام الـ11 الماضية منذ بدء العدوان يوم السابع من يوليو تموز الحالي، فيما الضرر النسبي الذي أوقعته بإسرائيل محبطاً،

4-    البحث عن عملية برية نوعية يمكن عقبها التوصل إلى تهدئة.

·        التهدئة الموعودة

 

ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع العملية البرية الإسرائيلية ضد غزة، اتفقت المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل، بصورة تقترب من الإجماع، أن إدخال القوات البرية إلى المنطقة الواقعة بين السياج الحدودي مع غزة وبين المناطق المأهولة هي الجزء السهل من العملية البرية، حيث ستكون الحركة سريعة، ويرافقها إطلاق نيران كثيفة، وتحت غطاء جوي، لأن القناعة السائدة في مقر وزارة الحرب الإسرائيلية أن قطاع غزة مبني بشكل "فخ"، وهنا تبدأ المعركة الحقيقية، فوق وتحت سطح الأرض، لأن هناك مدينة تحت الأرض، وستحاول حماس من خلالها أسر جنود إسرائيليين.

 

ورغم العمليات الجوية الكثيفة فإن إطلاق صواريخ حماس لم يتوقف، لأن ما تّم تدميره خلال العدوان الحالي على غزة من أنفاق تابعة للحركة لم تؤثر على قدرتها في صناعة المزيد من الصواريخ، ولذلك يشكو الجيش الإسرائيلي من نقص في المعلومات الاستخبارية حول الحصول على أهداف بعينها في غزة، بعد أن تقدمت قواته أمتاراً قليلة داخل حدود غزة.

ورغم مرور ما يزيد عن أسبوع على انطلاق العملية البرية الإسرائيلية ضد غزة، فإن هناك حالة من الإحباط أصيب بها كبار الضباط وصناع القرار السياسي؛ لقوة الكثافة النارية التي فاجأهم بها المقاتلون الفلسطينيون فور تقدمهم البري البطيء، بعدما ظنوا أن حماس ستركع على ركبتيها، وستتعطش لوقف إطلاق النار، لكن ما بدا في الساعات الأولى للعملية البرية أن الحركة على غير المتوقع، يمكنها الصمود وتحمل القتال لفترة طويلة وبقدرات عالية؛ لأنها توقعت ذلك سابقاً، وأعدت له جيداً.

ولذلك تعمدت القوات البرية الغازية لحدود غزة، أن تصل وحداتها العسكرية لمناطق خافية عن العيان، وتمنع مقاتلي حماس من مراقبتها، بالاستفادة من الحرب السابقة على قطاع غزة 2012، حيث كان تجميع القوات البرية كثيفاً وبادياً للعيان، وتمكن الغزيون مشاهدة آلاف الجنود بالعين المجردة موزعين في المنطقة، وبالتالي كان من السهل توجيه الصواريخ وقذائف الهاون باتجاههم، مما أدى في حينه لإيقاع إصابات في صفوفهم، أما اليوم، فإن الغزيين لا يرون بوضوح حجم القوات التي تلقت الأوامر بالتحرك نحوهم.

ومع ذلك، وفي ذروة العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة، فإن التحركات الماراثونية بين غزة ورام الله وتل أبيب والقاهرة والدوحة تشير للاقتراب من طي صفحة العدوان الإسرائيلي، مع توافق الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لوقف النزيف الحاصل، خشية انزلاق الأمور بغزة إلى خط اللا-رجعة، مع تطورات شهدتها الساحة السياسية في الساعات الأخيرة، والرغبة بالوصول لمنتصف الطريق حول المبادرات المطروحة، مع تعرض حماس وإسرائيل في الأيام الأخيرة لضغوط غير مسبوقة إقليمية ودولية لوقف إطلاق النار.


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة