تلفزيون نابلس
في وجه العاصفة: رحلتنا الى معسكرات الموت النازية في بولندا بقلم سليم سويدان
4/20/2014 11:40:00 AM

 

بقلم : سليم سويدان 

صادف قبل عدة ايام الذكرى 888 لميلاد الفيلسوف والمفكر ابن رشد، وبعد انتهاء محاكم التفتيش في التاريخ الاوروبي والاسلامي ايضاً، ما زالت تعقد حتى اليوم محاكم تفتيش من نوع آخر تؤدي للتحريض والحقد والكراهية ، وقد تؤدي ـ لا قدر الله ـ للعنف وإسالة الدماء.

كنا صغاراً في المدارس عندما قرأنا عن سنوات سجن الامام ابن حنبل على خلفية اختلافه بالرأي مع الخليفة المأمون، وعن مئات المفكرين الذين عوقبوا بتهمه جاهزة، الزندقة او الهرطقة، من أثينا التي أعدمت سقراط بتهمة إفساد النشأ الى عالمنا الاسلامي الى اوروبا القرون الوسطى ومحاكم التفتيش، واليوم يوجد تهم اكثر حداثة وجاهزة لالقائها  وهي التطبيع والتخوين والعمالة.

أثارت الزيارة العلمية التي قام بها الوفد الفلسطيني الطلابي الى معسكرات الموت النازية في كراكاو واوشفيتز في بولندا في اواخر شهر أذار الماضي، موجة عالمية من التعاطف مع الشعب الفلسطيني وأظهرت التعليقات التي نشرت من أفراد مختلفين من جميع أنحاء العالم تأييدا مطلفا للرحلة الى درجة أن العديد طالبوا بمنح منظم الرحلة البروفيسور محمد سليمان الدجاني الداودي، وهو أستاذ العلوم السياسية ومدير المكتبات في جامعة القدس، جائزة نوبل للسلام. ولكن وللأسف سارعت جامعة القدس وجامعات فلسطينية اخرى باعلان براءتها من هذه الرحلة الدراسية وأتهام منظم الرحلة البروفيسور محمد الدجاني هو منفرد بهذه البادرة الدراسية ولا يمثل احد من الشعب الفلسطيني. وتم تحميل الزيارة الاكاديمية ما لا تحتمل من ابعاد سياسية او تطبيعية او أيدولوجية، والقول أن جهات إسرائيلية وصهيونية هي وراء تنظيم الرحلة وتمويل وتمويلها، وإنها هدفت لغسل الأدمغة بهدف التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني. مما أعطى الفرصة للمتشددين من الطرف الاسرائيلي لنفي الطابع الانساني والحضاري للشعب الفلسطيني وللتعاليم الاسلامية، مدعين بأن منظم الرحلة البروفيسور محمد سليمان الدجاني الداودي، وهو مؤسس تيار الوسطية في فلسطين، له تاريخ في السباحة عكس التيار، وأن الفلسطينيين سيكونون سعيدين بقيام محرقة (هولوكوست) جديدة لليهود، وهذا مبرر كاف لعدم دعم قضيتهم ومنحهم حقوقهم أو اعطائهم دولة فلسطينية على حدود عام 1967 او لعقد اية اتفاقية عادلة معهم.

تمنيت كثيرا ضمن سيل المكالمات من مئات الصحفيين الاجانب للبروفيسور الدجاني وللطلبة المشاركين ( وانا أحدهم ) مكالمة واحدة من صحفي عربي او فلسطيني لمعرفة حيثيات الرحلة وأهدافها قبل الكتابة عنها، ولكنهم فضلوا استقاء معلومات مغلوطة نقلتها صحيفة القدس الالكترونية وبعدها موقع دنيا الوطن بترجمة مغلوطة عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية، وكل من قرأ المقال باللغة الانجليزية وترجمته بالعربية لاحظ التفاوت الكبير ما بين النصين، فتمت ترجمة "يصاحبهما اثنين من أبناء ناجين من المحرقة" الى القول: " أن الرحلة ممولة من منظمتين يهوديتين". ولا ادري ان كان بالخطأ ام ترجمة تنافي الحقيقة وفقط لتناسب المزاج العام الفلسطيني من خلال سوق مبررات للتخوين مبنية على معلومات خاطئة، وبحث بسيط باستخدام محرك البحث جوجل يمكن التأكد ان الخبر المغلوط نفسه أاعيد صياغته بشكل مختلف قليلاً بأكثر من موقع عربي او فلسطيني.

وبناء على النقاشات حول هذه الرحلة في الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ارجو توضيح النقاط التالية:

1.    موقفي الشخصي وما زال هو انني ضد العقيدة النازية وكل معتقد مبني على ان البشر ليسوا متساوين، وان هناك عرق افضل من آخر ضد مجازر الهولوكوست وضد قتل اي انسان سواء على خلفية دين او جنس او لون او عرق او معتقد سياسي او فكري او اجتماعي او غيرها. وقد قال الله تعالى: ((من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً.)) (المائدة 32)
كما قال الله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) . وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا)

2.    لا تعتبر المحرقة (الهولوكوست) مجزرة ضد اليهود فحسب، بل هي مجزرة ضد الانسانية جمعاء، فضحايا الهولوكوست كانوا من اليهود والمسيحيين والغجر وكبار السن والاطفال الابرياء والمثليين جنسيأ والمرضى النفسيين والمعاقين جسدياً والسوفييت والبولندين والمعارضين السياسيين الألمان وغيرهم والشيوعيين وفئات أخرى، وفي مفهومها الواسع تشمل كل من لا يمت للعرق الآري (بما فيهم العرب) والافارقة السود، ولكن نهاية الحرب عجلت بنهاية احلام هتلر بأن يحكم الشعب الآري العالم، وتسخير كل من هم غير آريين لخدمة الشعب الاري.

 

3.    بالنسبة للوفد افضل تسميته بوفد اكاديمي فلسطيني اكثر من وفد طلابي يضم 27 مشاركا، وباستثناء 3 طلاب في مرحلة البكالوريس كان معظم الطلاب من طلبة الماجستير او من يحملون شهادة الماجستير، بالاضافة الى اربع طلاب في مراحل متقدمة من الحصول على شهادات الدكتوراه، واستاذان يحملان شهادة الاستاذية الكاملة، وتم اختيار المشاركين 30 من بين 70 مرشحا. وليس كما ذكر في بعض المواقع العربية من ان الدكتور الدجاني أرغم الطلبة على السفر لمعسكرات الاعتقال النازية، فمشاركين في هذه المراحل الاكاديمية يمكن اعتبارهم باحثين وليس طلبة، ولا يمكن التغرير بهم وسافروا طلبا للعلم والمعرفة، عملا بقوله تعالى في الآية 114من سورة طه: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ).

4.    جميع المشاركين بهذه الرحلة العلمية كانوا على معرفة تامة بحيثياتها وتفاصيلها الدقيقة، وعلى معرفة بالهدف المرجو منها، وجميعهم وافق على القيام بهذه الرحلة العلمية بقناعة تامة، وبالمناسبة لم يكن الوفد من طلبة البروفيسور الدجاني فقط، بل العديد من التخصصات والمواقع، ومعظم المشاركين لهم وضعهم العلمي والمهني والاجتماعي ويمثلون كافة ألوان الطيف الفلسطيني من منظمة التحرير وغير منظمة التحرير.

5.    الرحلة ممولة بالكامل من مؤسسة حكومية ألمانية من خلال جامعة فريدرش شيلر في جانا في ألمانيا ( وليس جامعة فيينا )، كما ذكر البعض، او اية جهة اسرائيلية او يهودية او منظمة لها علاقة بالناجين من المحرقة، وهدف الرحلة هو بحثي علمي أكاديمي، ولا أدري ان كان طرح موضوع التمويل هو خطأ بريء ام يهدف لتشويه هذه الرحلة والقائمين عليها .

6.    في الساعات الأولى من الرحلة رافقنا في بولندا اثنين من اليهود من ابناء الناجين من الهولوكوست، وعندما تحول خطابهم من اكاديمي تاريخي الى حديث عاطفي غير علمي اشترط الوفد لاكمال الزيارة ان يقوم بها الوفد الفلسطيني لوحده برفقة دليل سياحي بولندي موضوعي متخصص بهذا الموضوع ، وهذا ما كان حتى نهاية الرحلة.

7.    لم الاحظ في الاعلام المحلي او مواقع التواصل الاجتماعي اي اشارة لزيارة 30 طالب يهودي من جامعة بن غوريون في النقب الاسرائيلية لمخيم النكبة في الدهيشة للاطلاع على معاناة اللاجئين الفلسطينين من ضحايا النكبة، وهل هذا يعتبر تطبيع أيضاً؟

8.    في رأيي أنه علينا إعادة تقييم موضوع محاربة التطبيع والتعاون مع الجامعات الأسرائيلية من حيث طرح المبدأ من أن من يدعم القضية الفلسطينية ويطالب بإنهاء الاحتلال من الجامعات الاسرائلية والاكاديميين الاسرائيليين نتعاون معه لاختراق المعسكر الاسرائيلي ولإثارة الاحساس بالذنب نتيجة عدم اعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه. فماذا عن تضامن عشرات الاسرائيليين اسبوعيا في نعلين وبلعين والنبي صالح وغيرها من مواقع النضال السلمي ضد الاحتلال؟ أو الذين يرفضون الخدمة في الجيش الاسرائيلي؟ هل سيطلب من الفلسطينيين مقاطعتهم ام تشجيع المزيد من الاسرائيليين على دعم الموقف الفلسطيني ؟

لن ادعي خبرتي بالتحليل السياسي ، ولكن وجود معسكر سلام اسرائيلي قوي وضاغط في سبيل السلام بجانب حركة المقاومة السلمية الفلسطينية قد يكون أكثر فائدة للشعب الفلسطيني من كثير من النشاطات الأخرى، ودراسة تاريخ الطرف الآخر وتفهمنا لتركيبته النفسية تجعلنا أكثر قرباً من تحقيق انجازات واختراقات تاريخية لصالح حل سياسي عادل ودائم لقضيتنا الفلسطينية .

في النهاية، أشكر من قلبي كل من عارض زيارتنا لاسباب فكرية أوعقائدية ولكن ليس لاسباب عاطفية، كما أشكر كل من آزرنا وطلب عدم نشر موقفه، واشكر العشرات من الباحثين والمفكرين وطلاب الدراسات العليا الفلسطينيين الذين تآزروا معنا سواء بالعلن او بالسر، وأشكر آلاف الباحثين والمفكرين والمدرسيين الجامعيين حول العالم من عرب او غيرهم الذين رأوا في هذه الزيارة نقطة مضيئة لصالح الشعب الفلسطيني، واعربوا عن استعدادهم لعمل الكثير لحشد الدعم والتأييد لصالح عدالة القضية الفلسطينية.

وهنا أود التوضيح بأنني لن اتوانى ومعظم المشاركين في الرحلة العلمية ـ ان لم يكن كلهم ـ للقيام بأية زيارة علمية لأي مكان في العالم من شأنه أن يزيد معارفي العلمية واحساسي بمشاكل ومعاناة شعوب العالم المختلفة، وحشد اي تأييد شعبي عالمي او انساني لصالح عدالة قضيتنا أو أية قضايا إنسانية ىخرى ، وقد جاء في كتابه الحكيم:  ‏﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ ‏[‏الزمر‏:‏9‏]‏‏. 

وأكرر شكري وتقديري واحترامي لاستاذنا الفاضل البروفيسور محمد سليمان الدجاني الداودي الذي اتاح لنا هذه الفرصة التاريخية لزيادة العلم والسعي للمعرفة والبحث عن الحقيقة.  


سليم سويدان : صحفي وطالب دراسات عليا قي جامعة القدس وأحد المشاركين بالرحلة.


 

 


تصميم وتطوير: ماسترويب 2016
جميع الحقوق محفوظة